تصدير: (التاريخ دروس.. وأبقى الدروس أكثرها مرارة) «أنيس منصور» أولئك القادمون أيها العراقي المسافر في فجاج الدماء لو أغدقوا كلّ التراب لو أمعنوا فيك النصال لو صلبوا وجهك ألف عام وعام.. لن يخمدوا وهج الحكاية وهدير صوتك أنت المدوّن اسمك كما تمّوز.. كما عشتار.. وجهك الآن يبقى في المدى مسافة الوجد وأنهار عشقك وجهك اليوم يعيد إلى الدار مواعيد الحنين وبهجة طفلك أيها العراقي الموشح بالأسوار المدجج بالأرض وقصائد الأنهار لن يمنع الأطلسي عن الجائعين لهفة خبزك.. لن يرسم الغيب غير أقدار شكلك ولو ضجّ القادمون من الخلف بأصناف قهرك أيها العراقي الباقي حدّق في مرايا الفصول ستعلن الشمس كلّ غد شروقا جديدا. بين أحداث حلمك ستنزع عن الشارع البابلي حكاية التيه ستعيد إليه ألوان البريق وصهيل صوتك أيها العراقي المتعدد لن يورثك هذا الزمان المحاصر غير قصائد الكبرياء لن يمنح ظلّك غير العنفوان.. ستفتح الآن الشراع ستعلن اليوم مولد وجهك.. ذات صمت.. كم ينبغي من شهيد في طقوس الفجيعة كي يزهر الكبرياء.. وكم ينبغي من ورود تلوّن دمنا كي يعرف الصامتون حكاية الأنبياء.. ذات صمت كنّا نجالس أصواتنا فوق العتبات الرديئة نلعق بشراهة الخجل بقايا الصمود وصورة الشهداء.. ذات صمت كنّا نكتب للوطن المحاصر أنشودة للصبر وقصيدة للرثاء.. حتى يعرف أننا لا نملك غير ما تعودناه من تعاويذ الهراء وأحاديث المساء.. كم ينبغي من شهيد إذا يا وجهنا العربي المعتق في الغبار.. حتى تعرف كيف يموت الواقفون في مدن العناء.. كم ينبغي من شهيد هذه المرة وكل المرات أيها الواقفون خلف ضمائركم المدججون بأصناف البلاغة والفصاحة واللغة الرعناء.. ألف مرة قبل الآن كنّا نقول: إننا القادمون.. الغاضبون.. وأن رياح الصحوة أكيدة الأصداء.. فما ذقنا غير هزائم وجوهنا وانقضاء فصولنا وحيرة الأنباء.. لا شيء إذا باق غير ما قلناه عن الهوية.. والقضية.. والتيه.. وعروبتنا الشقية بالنداء.. خريف العنكبوت (إلى شهداء فلسطين) في المحراب العتيق نقترف الصبر والسنديانة الخضراءيغنمون منها الجذور الباقية.. نتوشح الصمت نمسك بتلابيب العنكبوت نرحل في خريف القضية ونعود القرفصاء إلى الحكايات الغاوية.. في المحراب العتيق نعدّ النوايا ونرتزق شكل الذاكرة والأحلام الهاوية.. يختلسون من التاريخ ألفي سنة.. ويستبيحون الذاكرة ومازلنا في المحراب نجرّب الحمامة البيضاء والأمنية النائية تمرّ سنتنا هذه وفي مقهى قريب نجالس السنة القادمة. الضحيّة الموت سيّد دون حساب والدمار.. زينة الطرقات العتيقة لم ينس القنّاص دوره ولا المدججون ولكن من أين؟ وإلى أين؟ يا أرضنا الحزينة هربت الشوارع وأوصدت الشوق دون الحكاية فالرعب مرّ من هنا راود الأطفال ثم رماهم بالقذيفة هكذا مرّ الغزاة في البدايات الجديدة هكذا يعظم الوجع والرياح السقيمة قد عرف الناس القصة كاملة من الجلاّد..