عندما يكون الكتاب سيّدا... المشهد كان على درجة من الروعة الى الحد الذي يصعب على المرء تصديقه، وعلى درجة من البساطة والتلقائية التي تحوّل الحلم او بعضه الى واقع محسوس وملموس. مساء الخمس 28 اوت 2003 بالباب الخارجي لمسرح الهواء الطلق ببنزرت يقدم أفراد العائلة تذاكر الدخول للحفل الذي ستقيمه الفنانة نبيهة كراولي لفائدة فرع بنزرت لاتحاد الكتاب التونسيين وينال كل منهم كتابا مجانا، يتصفحه في بداية الامر بعد ان يكتشف عنوانه واسم صاحبه ثم يمضي به الى المدارج ليختار المكان المناسب ويجلس يتصفح هديته في انتظار بداية الحفل، وبعد فترة يتبادل افراد الاسرة الكتب فيما بينهم. الحفل كان تونسيا مائتين بالمائة كما جاء على لسان احدهم، فالكتب التي تم توزيعها كلها كانت لكتاب تونسيين والاغاني التي ادتها الفنانة نبيهة كراولي كانت كلها تونسية كلمة ولحنا ومقامات موسيقية... لست شوفينيا لكني طربت للأمر الى ابعد الحدود، خاصة في صيف غزت فيه الاصوات »الشرقية« او التي لا لون لها اغلب فضاءات المهرجانات الدولية والجهوية والمحلية ببلادنا... الحفل اذن انطلق قبل موعده، وتحديدا منذ ان سلّم اول متفرج تذكرته بباب الدخول واخذ كتابا... وحينما اعتلت المطربة ركح المسرح اغلق المتفرجون كتبهم وانتبهوا الى الصوت القويّ الذي اخذهم في رحلة الى انفسهم وطاف بهم مختلف ارجائها... هذا الحضور الذي كان ضعيفا نسبيا (لأسباب سأعود لذكرها) تفاعل ايجابيا مع اغاني المطربة التونسية المتميّزة اداء وحضورا شدّ انتباه الحضور وفاجأهم بعد غياب دام طويلا. وشخصيا وجدت نفسي لا اعرف هذه المطربة التي حضرت لها بعض العروض مع القرفي في زخارف عربية حيث نجحت في أداء اغاني فيروز واسمهان، وهي المرة الاولى التي التقى فيها نبيهة في عرض خاص بها، وقد تساءلت قبل العرض عن مدى قدرتها على شد الجمهور ا لى فنّها، وأثناء العرض زالت كل الشكوك وتأكدت بأني بحضرة مبدعة مثقفة واعية جدا برسالتها الفنية وكأنها بحضرة مبدعة تولد من جديد او تخطو اولى خطواتها على درب التفرد والاقناع. ومن باب اعطاء كل ذي حق حقه وجب التنويه بالمجهودات التي بذلها اعضاء فرع بنزرت لاتحاد الكتاب الذين صنعوا الحدث مرة اولى منذ سنتين حينما نظموا حفلا فنيا استضافوا خلاله الفنانة صوفية صادق وتزامن ذلك مع تنظيم مصيف كتاب تونس على ضفاف بحر بنزرت الجميل وكان لهم السبق هذه السنة ليس بتنظيم الحفل فقط وإنما من خلال خلق تقليد فريد لم يسبقهم اليه أحد وطنيا ولا عربيا عالميا وهو مشروع »مع كل تذكرة كتاب«. هذا المشروع وجب ان يكون مثالا ينتهجه اهل الثقافة في بلادنا لانه توصّل الى حل معضلتين أرقتا تفكير المثقف التونسي، الاولى تتمثل في علاقة المواطن التونسي بالكتاب والثانية هي عملية توزيع الكتاب التونسي، فلو نظم كل مهرجان حفلا واحدا يقع خلاله توزيع كتب لكتاب تونسيين لتحققت الغايتان في نفس الوقت، فمن جهة يتوصل المواطن مع الكتاب ويتطلع على بعض محتواه (مهما كانت قيمته) ويعود به الى بيته، ومن ناحية اخرى يتمكن الكاتب من تسويق بضاعته فيحقق الكسب ماديا وادبيا. هذا الحفل لم يحقق الحضور الجماهيري المتوقع مما تسبب في خسارة مادية معتبرة لفرع بنزرت لاتحاد الكتاب الذي لم يتمكن من تغطية مصاريف الحفل الامر الذي اجبر الشاعر عبد الكريم الخالقي على امضاء »شيك« على حسابه الخاص، وقد يعود ذلك الى طول فترة غياب الفنانة نبيهة كراولي عن جمهور المهرجانات. وإلى النقص في دعم الفرع في هذا النشاط من بعض مؤسسات الجهة وغياب الدعم تماما من الهيئة المديرة لاتحاد الجهة وغياب الدعم تماما من الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب التونسيين، ولكن ورغم كل ذلك فإن فرع بنزرت لاتحاد الكتاب نجح في كسب الرهان كما نجح في كسب رهانات سابقة ويعود ذلك ودون مجاملة ولارمي ورود الى وجود انسان مثقف أديب متحمس للثقافة على رأس ولاية بنزرت السيد محمد الحبيب ابراهم الذي ما فتئ يمد يد المساعدة الى أهل الثقافة بمدينة بنزرت الامر الذي جعلها تتحوّل تدريجيا الى قطب ثقافي بالبلاد التونسية... فهنيئا لولاية بنزرت بالسيد الوالي الاديب وهنيئا لها بفرع اتحاد الكتاب وهنيئا للفنانة نبيهة كراولي بهذه الانطلاقة الجديدة.