تمرّ اليوم سنتان على وفاة فقيدة الاعلام والثقافة المرحومة نزيهة المغربي التي لم يرتبط إسمها فقط بأول ابتسامة ارتسمت على الشاشة الصغيرة للتلفزة التونسية وبأول كلمة خير ومحبة نطقت بها ذات مساء من آخر أيام شهر ماي سنة 1966، بل وأيضا بمسيرة مهنية وفنية كانت حافلة بالعطاءات السخية في مجال الانتاج البرامجي التلفزيوني وفي ميدان الإبداع التشكيلي، وكان لها بالخصوص أروع الأمثلة في نسج علاقات إنسانية في محيطها الفسيح وكأنها فُطرت على أن لا تفرح إلا لفرح الآخرين وأن لا تحزن إلا لأحزانهم بكل ما لديها من صدق وجهد، وبمثالية وأريحية لا تُتاح إلا لكبار النفوس.. من أجل ذلك احترمها في حياتها وحزن لفقدانها كل من عرفها من قريب وبعيد. لم تكن الفقيدة تلك النجمة التي يتعطش لأخبارها جمهور تبهره نجومية مغلوطة سرعان ما تلفظها الذاكرة وتكشف عن زيفها الأيام ولكنها كانت أولا وآخرا إنسانة بأجمل ما في إنسانية الإنسان في رفعة وسمو، وفنانة يرقى حسّها الفني الى مراتب من الكمال لا يعرف سرّها إلا أولائك الحريصين باستمرار على بلوغ أعلى درجات الإتقان في ما يعملون. لست أدري من الذي قال «إن الامتياز لا يتجسم في ما يتعاطاه المبدع ولكن في ما ينوي إنجازه «لذلك كانت تحرص دائما على تلك اللمسة الأخيرة التي تترجم ما يختلج في ذهنها وما يعجّ به إحساسها من إبداع المبدعين. ولكن الموت لم يمهلها لمزيد من اللمسات الإبداعية بل كان عجولا مبكرا فاختطفها وهي في أوج البذل والعطاء، فسلام عليك أيتها النفس الزكية الطاهرة في مماتك كما كان السلام عليك في محياك يعترف بالفضل لذوي الفضل. فكذلك دأبت تونس السابع من نوفمبر تكرم أحياءها وأمواتها وتنتبه الى فضل مبدعيها وتنزلهم المنزلة التي يستحقون، وستظلين في ذاكرة هذا الوطن، وفي سجل الخالدين ممن عاشوا للآخرين ودخلوا التاريخ من أوسع أبوابه». رحم اللّه نزيهة المهغربي وجزاها الجزاء الأوفى وحشرها مع السابقين في الآخرة كما كانت في حياتها من السابقين للإبداع ولإسعاد أسرتها ولمرضاة اللّه والوطن.