لم تعد المعجمية مجرد اختيار مفردات وترتيبها ترتيبا ألفمائيا وإعطاء معانيها باللغة ذاتها أو بلغة أخرى، وإنما أصبجت ميدانا واسعا للبحث النظري والتطبيقي، يتقاسمه، من ناحية، علم المعجم، الذي يهتمّ بدراسة الألفاظ من حيث اشتقاقها وأبنيتها، ودلالتها، وما يعتورها من ترادف واشتراك لفظي وتضام اصلاحي، ومن ناحية أخرى، صناعة المعجم، التي تعنى بالخطوات اللازمة لإعداد المعجم ونشره، وتشتمل هذه الخطوات على جمع المعلومات والحقائق، وانتقاء المداخل، وترتيبها طبقا لنظام ملائم، وكتابة المواد، ثم نشر النتاج النهائي ورقيا أو إلكترونيا. وصار المعجم الجيد اليوم مرآة تنعكس عليه معالم الحضارة التي أنتجته وسجلا يحفظ تراثها. وقد تعددت أصناف المعجم النوعية. فمن حيث معالجة المادة، تنقسم المعاجم الى معاجم لغوية، وموسوعات، ومعاجم موسوعية، ومعاجم أعلام، ومن حيث اللغة، تنقسم المعاجم الى معاجم أحادية اللغة، ومعاجم ثنائية اللغة، ومعاجم متعددة اللغة. ومن حيث الموضوع، توجد معاجم عامة، ومعاجم متخصصة بمصطلحات العلوم والتقنيات، ومعاجم موضوعات كمعجم الرموز ومعجم الأفلام السينمائية ومعجم النكات، إلخ. ومن حيث الاستعمال، هنالك معاجم للاستعمال البشري ومعاجم للترجمة الآلية، ومن حيث الغرض، ثم معاجم لفهم اللغة ومعاجم للتعبير باللغة، وهكذا. وقد تصدى الكاتب الباحث العراقي المقيم في المغرب، الدكتور علي القاسمي، للمعجمية العربية بالدرس والتحليل، وضمّ أبحاثه في كتاب جديد بعنوان «المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق» صدر عن مكتبة لبنان ناشرون في بيروت، ويقع في 285 صفحة من الحجم الكبير بطباعة أنيقة. واشتمل الكتاب على مقدمة وستة عشر فصلا هي : المعجم والقاموس، الخصائص المميزة للمعجمية العربية، ترتيب المداخل في المعجم العربي، اشكالية الدلالة في المعجم العربي، معالجة التعابير الاصطلاحية والسياقية في المعجم العربي، المعجم العربي للناطقين باللغات الأخرى، ماذا نتوخّى في المعجم العربي للناطقين باللغات الأخرى؟ هل يُعدّ معجم الاستشهادات معجما؟ معجم الاستشهادات وتقنيات تأليفه، المعاجم العربية المتخصصة ومساهمتها في نقل التكنولوجيا، المعجم العربي ومشاكل المترجم في المنظمات الدولية، مبادئ المعجمية الحديثة في معجم المورد، المترجم والمعجم الثنائي اللغة : تطبيقات على معجم المنهل، اختصار المعاجم : أهدافه وطرائقه. وقد ذيّل الكتاب بقائمة طويلة من المراجع المعجمية الحديثة. ويعدّ المؤلّف، الدكتور علي القاسمي، من أبرز اللغويين والمعجميين العرب المعاصرين، فقد صدر له مجموعة من الدراسات والبحوث الرائدة في الميدان، منها كتابه «مختبر اللغة» الذي نشرته دار القلم في الكويت، وكتاب «علم اللغة وصناعة المعجم» الذي أصدرته جامعة الرياض وأعادت طباعته، وكتاب «مقدمة في علم المصطلح» الذي نُشر في بغداد والقاهرة. كما ألّف القاسمي عددا من المعاجم الجيدة منها «المعجم العربي الأساسي» و»معجم المصطلحات اللغوية» اللذان صدرا عن مكتبة لبنان ناشرون في بيروت، اضافة الى نخبة من الكتب الأدبية والنقدية والقصصية، وترجمة بعض الأعمال الروائية والقصصية العالمية.