في الذكرى التاسعة والأربعون لاندلاع الثورة الجزائرية أصدر الكاتب والمناضل في صفوف حزب التحرير بالجزائر الشقيقة الدكتور محمد التومي كتابا بعنوان «طبيب في الأدغال» «Medecin dans les maquis» بيّن فيه بعض فصول معارك حرب التحرير الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي التي انطلقت سنة 1954 إلى نهاية سنة 1962 عهد الاستقلال وعلاقتها بالحركة الوطنية المسلحة بتونس. وقد تضمّن هذا الكتاب الذي لم يدخل السوق التونسية إلى حدّ الآن شهادات حية لواقع الحياة والعمل داخل صفوف مناضلي حرب التحرير الجزائرية في الأدغال والجبال والقرى وكافة أنحاء التراب الجزائري. تضحيات والملفت للانتباه ان الكاتب المناضل محمد التومي أشار في بعض الفصول من كتابه المذكور إلى الدور الريادي للمقاومة المسلحة التونسية التي انطلقت شرارتها سنة 1952 في استنهاض همم المقاومة في المغرب العربي عموما وفي الجزائر خاصة، حيث أشار في الصفحة 16 من هذا الكتاب وبعنوان بارز إلى: دور المقاومة المسلحة التونسية في انطلاق حرب التحرير بالمغرب العربي. وخصّ الكاتب بالذكر في هذا المجال إلى دور حركة المقاومة المسلحة بزعامة «القائد الأزهر الشرايطي» والمعروفة بتسمية «الفلاة» في انتشار شرارة المقاومة نحو الجزائر سنة 1954 حيث يقول في هذا الصدد: «إن الفلاة التونسيين لم ينتظروا نهاية حرب فيتنام كي يعطوا إشارة انطلاق أول حرب تحرير بالمغرب العربي». ويضيف: «وقد أقام الفلاة التونسيون لهم قاعدة خلفية بجبال أوراس بالتراب الجزائري للاستناد إليها». كما يقرّ الكاتب أن خطر انتشار رقعة المقاومة المنطلقة من تونس نحو الجزائر «كانت تمثل مصدر إزعاج وقلق عميق بالنسبة للسلط الفرنسية» وحيث كانت «المقاومة المسلحة التونسية تدك العدوّ بضرباتها الموجعة في شهر سبتمبر 1954 كان يخيّم على الجزائر هدوءا غريبا». تواصل وبذلك يؤكد الكاتب عمق التواصل بين الشعبين التونسيوالجزائري والدور الهام والريادي الذي لعبته حركة المقاومة التونسية في استنهاض ومساندة الثورة الجزائرية فيما بعد. كما أشار الكاتب إلى بعض المعارك الضارية التي حصلت بالجزائر خلال شهري جوان وجويلية 1954 بين المقاومة التونسية وبين سلط الاستعمار والفرنسي التي استعملت فيها جميع أنواع الأسلحة حتى المحظورة منها، وأشاد بدور المقاومة التونسية بقيادة الأزهر الشرايطي التي قامت بتسريب الأسلحة إلى شقيقتها الجزائر وبنقل تجربتها التنظيمية والميدانية لهم، وكذلك تسليمها البعض من أسلحتها بعد معاهدة وقف القتال بتونس والاستقلال سنة 1956 . كما تناول الكاتب بالاشارة في بعض فصوله إلى دور المرأة الجزائرية في حرب التحرير، وخصّ هنا بالذكر الشهيدة مسعودة موسوي المنحدرة من ولاية جيجل حيث ولدت سنة 1920، ويذكر الكاتب ان هذه الأخيرة تربت في محيط وفي تقاليد عائلية وطنية وقد لجأت هي وعائلتها إلى تونس سنة 1935 هروبا من الاجراءات القمعية والضغوط المسلطة عليهم من السلطات الفرنسية بالجزائر. ويضيف الكاتب أن المناضلة الشهيدة محجوبة بانتقالها إلى تونس انخرطت هنالك في عمل المقاومة حيث تعرفت عن قرب على القائد الأزهر الشرايطي وعاشت معه إلى جانب رفاقه بعض فصول المعارك التي خاضها المقاومون التونسيون حتى تاريخ ابرام معاهدة الاستقلال الذاتي والاستقلال التام في مارس 1956، أين استضافها الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بقصر قرطاج لمدة ثلاثة أشهر (أي بعد الاستقلال) لكنها تستجيب لنداء الواجب ومواصلة مسيرة المقاومة داخل التراب الجزائري فتنتقل إلى منطقة الأوراس لتنخرط ميدانيا في صفوف المعركة تحت امرة المجاهد عمر بولعيد. «ولأنها لا تخاف الموت ولا تتأخر لأي نداء من أجل انجاز مهمة ما، فقد سقطت مع البعض من رفاقها شهيدة سنة 1957». ولئن يعتبر هذا الكتاب شهادة تاريخية قيّمة من طرف الأشقاء الجزائريين لدور تونس الريادي في استنهاض الثورة الجزائرية ومساندتها ماديا ومعنويا، فإن آثار هذا الدور لازالت متواصلة إلى حدّ الآن وذلك عبر الإرادة السياسية للقيادة في تونس اليوم، بالعمل الجادّ على لمّ شمل البلدان المغاربية في اتحاد مغاربي كبير تجسيما لتطلعات الأجيال السابقة وأجيال اليوم لاحتلال موقع ذا اعتبار في خارطة هذا العالم.