لم يكن النوم أثناء الاجتماعات الرسمية العربية، في يوم من الايام موضع تشكيك ولا إدانة من أحد إذا قيست الأمور بمثيلاتها في أوروبا حيث تحضر النجاعة والدقّة في أخذ الكلمة والمداولة بينما يمكن ان تستمر خطبة عربية عصماء الساعات الطوال ولهذا، لم أكن لأفاجأ بصور بعض نواب الامة، مثلا، في اجتماعات القمّة هذا أوذاك، وتحت قبّة هذا البرلمان أو ذاك وهو يغط في نوم عميق أثناء الجلسات المغلقة والمفتوحة على حد السواء ولمَ لا ينام القادة وعين الله لا تنام، ولا ينام النوّاب وعيونُ أولي الأمر ساهرة على الرعيّة لا يغمض لها جفن! على أن صورا وصلتني، كما وصلت غيري منذ وقت، لأحد الاجتماعات في برّ لم يدركه بعد نفير الثورات، حيث تظهر الصور جمعا محترما من «العلماء» في سبات اثناء إلقاء بعضهم البعض كلمات مؤثّرة حول حال الأمّة في القرن الخامس عشر للهجرة وقد تداعى عليها الأمم كما تداعى الاكلة الى قصعتها حملتني تلك الصور على غبطة الحضور الكريم لأن نومته منعت نومات، كما قيل رُبّ أكلة منعت أكلات! وكأني بأبي الطيب لم ينطق الا على لسان هذه الكوكبة حين قال: أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جرّاها ويختصم أزعم أن ما ذهبت إليه المنتديات والمواقع من تشنيع على هذا الرهط من ورثة الانبياء بسبب من أن النوم أخو الموت فيه من التسرّع والرجم بالغيب ما فيه أولا يعرف هؤلاء المشنّون أن الناس نيام فإذا هم ماتوا استيقظوا؟ أو خير من نومة أو غفوة استخارة جماعية يتضح بعدها الخيط الابيض من الاسود وما يلزم مما لا يلزم من أمور البلاد والعباد؟ ولقد كان النبيّ يعلّم المسلمين الاستخارة كما يعلّمهم السورة من القرآن حتى قال شيخ الاسلام ابن تيمية: «ما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين وثبت في أمره...». هذا، وقد صدر البيان الختاميّ للاجتماع المذكور عن الحاضرين النائمين ليؤكّد، بعد أن أبرز فضيلة النوم مطلقا وأثناء الاجتماعات خاصة، أن علماء الأمّة هم العين الساهرة أبدا للذب عن بيضة الاسلام في وجه كل مرتدّ خؤون، وأنّهم يقظون أمام كل المحاولات الهدّامة الرامية الى تشكيك الناس في فضيلة الاستخارة والنوم والرؤية الصادقة. ثم ختم الحاضرون النائمون بيانهم التاريخي بنبرة فخريةواضحة تشهد على أن النوم عنوان وحدة الأمّة دون سائر الأمم بدليل قول معروف الرصافيّ: يا قوم لا تتكلّموا ... إن الكلام محرّم ناموا ولا تستيقظوا ... ما فاز إلا النُّوَّم