هل أدى الفهم الخاطئ لأهداف الثورة ولمفهوم الحريّة الى عرقلة الاستقرار والتنمية في البلاد؟ عديد المؤشرات تدفع الى هذا الطرح وتؤكد أن حالة الانفلات العام مازالت متواصلة واننا نعيش حالة من التمرّد على سلطة الدولة وهيبتها وأيضا على المنظمات الوطنية وكل الأطر الرسمية والأهلية. أرقام خطيرة نشرتها وزارة الشؤون الاجتماعية حول توتر المناخ الاجتماعي خلال الاشهر الستّة التي تلت الثورة وتؤكد أن أيام العمل الضائعة نمت بنسبة 374٪ وان عدد الاضرابات تطوّر بنسبة 130٪ وعدد المؤسسات المتضررة منه بنسبة 92٪. وتضاف هذه الأرقام المفزعة الى اعداد المؤسسات المتضررة ابان ايام الثورة بالحرق والنهب والتي بلغ عددها 265 مؤسسة بلغت خسائرها 173 مليارا وخلفت ضياع اكثر من 10 آلاف موطن شغل. وتتواصل اليوم اعتصامات طويلة بعديد المصانع الحيوية الكبرى كبدت المجموعة الوطنية خسائر هائلة ستكون لها انعكاسات خطيرة على عديد القطاعات وأساسا المحافظة على مواطن الشغل وربما العلاقات بين المعتصمين والمتضررين من اعتصامهم والتي لا يستبعد ان تؤول الى استعمال العنف لفك الاعتصام وانهاء أضرارها، وهي الحالة التي كادت ان تحصل مع مواطني «عين مذاكر» على خلفية إيقاف انتاج معمل اسمنت النفيضة. إن ما يحدث اليوم خطير، إذ لا يمكن أن ننظر الى الثورة او نتعامل معها بمنطق الغنيمة او الكسب الشخصي، بل المطلوب تغليب الصبغة الوطنية والحرص على عدم تعطيل الانتاج والعمل على المحافظة على المؤسسات وعلى مواطن الشغل، فكلفة الاضرابات والاعتصامات بدت أثقل من اللازم وإن نارها لن تستثني أحدا وفي طليعتهم الاجراء أنفسهم. دقة المرحلة الراهنة تتطلب وعيا عاما أكبر وتدخلا أقوى من المنظمات النقابية ومن الأحزاب السياسية ومن الحكومة وكل هياكلها لأن تحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي لا تتم فقط بتعبئة المواطنين من أجل المشاركة في الانتخابات بل أساسا بالعمل والانتاج وخلق الثروة، لأنه لا نجاح لثورة ما دامت عاجزة عن خلق الثروة وتمتيع الجميع بثمارها بالعدل والمساواة.