عمل لسنوات عديدة في قاعات السينما وكان شاهدا على تطور السينما التونسية وعن علاقة التونسي بالسينما منذ ثلاثينات القرن الماضي انه الحاج بشير الذي التقيناه صدفة فحدثنا عن ذكريات عمرها أكثر من نصف قرن مازالت ذاكرته تحتفظ بها إلى الآن. إنها ذكريات خاصة برمضان زمان. وبحكم عمله الذي دام أكثر من نصف قرن بقاعات السينما قال الحاج بشير متذكرا: لا تزل ذاكرتي تحتفظ إلى اليوم بتفاصيل علاقة التونسيين في الثلاثينات من القرن الماضي بالسينما وخاصة خلال شهر رمضان المعظم. حيث كان الإقبال كثيفا على قاعة سينما المونديال. وكان التونسيون شيبا وشبابا مولعين بمتابعة أفلام محمد عبد الوهاب وخاصة فيلم الوردة البيضاء وفيلم يحيى الحب وأفلام أم كلثوم وفريد الأطرش. ومن بين الأفلام التي يقبل على مشاهدتها التونسيون خلال تلك الحقبة التاريخية اذكر موكب حمل كسوة الكعبة الذي ينطلق من مصر ليصل إلى مكةالمكرمة بالمملكة العربية السعودية. ويقال إن كسوة الكعبة الشريفة كانت تخاط سنويا في مصر وبأيدي عدد من الخياطين المصريين الذين يشتهرون بمهارتهم الفائقة في الخياطة. وبعد الانتهاء من خياطتها ينطلق موكب حمل كسوة الكعبة الشريفة وكان موكبا مهيبا ويقع حمل الكسوة في هودج يوضع على ظهر الجمل ويتكون الموكب من عدد كبير من الناس الذين يرغبون في أداء العمرة. وكان الموكب يسير على وقع أنغام أغنية «عليك صلاة الله وسلام» للفنانة السورية أسمهان والعيون تتابعه على شاشات السينما العملاقة. كانت هذه السهرة من بين السهرات الرمضانية الأكثر استقطابا للجمهور في تونس نظرا للحدث الهام الذي تتطلع إليه أفئدة كل المسلمين والعرب خلال هذا الشهر الفضيل. ومما اذكره أيضا أن هذا الموكب المهيب يكون عادة حافزا للكثيرين لأداء الحج والعمرة والظفر بالنظر إلى كسوة الكعبة الشريفة مباشرة.