في إطار تظاهرة «أوتار الليل» بالقلعة الصغرى نظمت مؤخرا دار الثقافة بالجهة بالتعاون مع المجلس المحلي لحماية الثورة سهرة تكريم خاصة بالإعلامية والمناضلة الحقوقية نزيهة رجيبة بحضور الوجه النضالي سهام بن سدرين. «أم زياد»هي الكنية التي تعرف بها السيدة نزيهة والتي ذيّلت بها مختلف مقالاتها السياسية والإجتماعية النقدية اللاذعة التي تميزت بها قبل الثورة ولقيت جراءها أصنافا من التضييقات والحصارات لم تتنفس فيها الصعداء إلاّ بعد سقوط المخلوع وقد تعرضت في كلمتها بمناسبة هذا التكريم إلى سنوات المعاناة والتتبعات التي تعرضت لها زمن الرئيس المخلوع مستدلة باليوم الذي جاءت فيه للقلعة الصغرى لزيارة اخيها المريض قائلة: «لقد لاحقتني جحافل من عناصر أمن الدولة ومكثوا يراقبونني من أمام منزلي هناك فخرجت في غضب لطردهم» كما عرّجت على التضييقات التي تعرض إليها بن بريك وسهام بن سدرين. بداية النضال وأشارت إلى فترة بداية تأثرها بالنشاط النضالي منذ طفولتها حيث نشأت وسط عائلة مناضلة واكبت نشاط «الفلاقة» واعتبرت أن حياتها تغيرت منذ أن استمعت لأوّل شهادة من طرف سجين سياسي مضيفة : «منذ ذلك اليوم لم يعد للحياة طعم بالنسبة لي وأصبحت أهمل نفسي من حيث اللباس والأكل ولم أعد أتابع العروض الفنية ولم يعد هناك طعم لأي شيء في حياتي». ما أشبه الليلة بالبارحة! «أعلن أني تخليت عن كنيتي «أم زياد» وإني سأمضي ما أكتب مستقبلا باسمي الحقيقي وأني أقصد بهذا الصنيع تحية «العهد الجديد» وأعلن ثانيا أني أعتبر هذا المقال امتحانا لرحابة صدر العهد الجديد وسبرا لمدى استعداده لتقبل النقد كما اعتبره اختبارا لمدى قدرة هياكل الإعلام على استغلال وعود العهد الجديد بإطلاقق سراح الكلمة و على التخلص من عادة الرقابة الذاتية المقيتة وأعلن ثالثا أني أضع هذا المقال بين تاريخين من تاريخ تونس الحديث، فإما أن تفوز كاتبته بجائزة 7 نوفمبر وإما أن تقبع في أحد أركان مبنى 9 أفريل...»، «لا سبيل لمقاومة الرشوة إلا بالإمتناع عن اعطائها وبفضح من يطلبها ولا يكلفنا ذلك إلاّ شيئا من الشجاعة»..، هذه مقتطفات من مقالات كتبتها أم زياد في العهد البائد وقرأ بعضها الأستاذ لطفي العوني في هذه السهرة التكريمية مما جعل السيدة نجيبة تعلق قائلة: «لقد أعدت اكتشاف مقالاتي والتي عادة لا تعجبني لأنني دائمة التوق إلى كتابة الأحسن وإني متأثرة جدا لأن في إعادة اكتشافي هذا لاحظت وجود الكثير من النقاط التي تتشابه ووضعنا الحالي». سهام وذكريات الألم كان لحضور سهام بن سدرين أيضا وقع كبير على أهالي القلعة الصغرى حيث كانت محاطة باهتمام كبير من الحاضرين وسط اعجاب شديد بشخصيتها ونضالها الوطني واحترام وتقدير كبيرين لمكانتها وكانت بدورها في منتهى التأثر بذلك عاكسة درجة كبيرة من التواضع والتواصل الإيجابي مع المواطنين الحاضرين والذين في جانب كبير منهم كانوا يبوحون لها بمشاغلهم وبعض من مشاكلهم في مختلف المجالات وكانت تستمع إليهم بكل اهتمام ، هذا وأشارت سهام في كلمتها بهذه المناسبة إلى الدور والمكانة الهامة للسيدة نزيهة رجيبة ومدى مساهمة مقالاتها في النضال الوطني تجاه الظلم والقمع المسيطرين في فترة المخلوع وعرجت بدورها على بعض الأحداث المؤلمة والتضييقات التي تعرضت لها والتي ايضا واجهتها أم زياد والعديد من المناضلين. أم زياد وبورقيبة عبرت أم زياد عن موقفها المعارض لبورقيبة رغم حب أبيها له لدرجة أنه سمّى أخيها بالحبيب على حد تاكيدها ولم تخل بعض مقالاتها من هذا الموقف حيث ذكرت في أحدها: «نحن الذين صنعنا بورقيبة الأول وها نحن بصدد صنع بورقيبة الثاني فما الحل يجب ان يوجد من يشذ عن القطيع ومن يسمع الناس نغمة مغايرة للعاب الحلزون». «جمرات من سنوات الجمر» كان هذا عنوان لكتاب تضمن مقالات أم زياد وأيضا بعض المقالات التي كتبت عنها وقدمه مؤلفه السيد علي اللطيف والذي تأثر حد البكاء عند تقديمه لهذا الكتاب واسترجاعه لسنوات الألم لأم زياد ومناضلين آخرين وقدم الكتاب هدية لأم زياد تقديرا لنضالها الوطني. طعم خاص لم تخف أم زياد شدة انبهارها بمستوى التكريم الذي لاقته إضافة إلى روعة التنظيم وثراء الفقرات المقدمة خاصة من حيث قيمتها الفنية والأدبية الراقية سواء في الشعر بإمضاء الشاعر محمد الحمدي أو في الموسيقى من طرف الصوت الواعد سناء الوسلاتي والعازفين الأستاذ محمد بوجرة وفهمي بوجرة وعلقت على كل ذلك قائلة «لم أكن أنتظر هذا التكريم وهذا الإهتمام و فعلا وجدت تبجيلا وترحيبا خاصا أعجز عن وصفهما ولم أكن أعي هذه المكانة فشكرا للجميع».