الخبير الاقتصادي فتحي مامي يضع على ذمة الأحزاب برنامجا اقتصاديا ومشروعا حضاريا أطلق عليه اسم tunisie.compagnie ويؤكد أنه برنامج من أجل تونس أفضل لكل مواطن مكان فيها. السيد فاتح مامي أصيل جزيرة جربة غادر أرض الوطن منذ سنة 1978 في اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية. عاد منذ أيام إلى موطنه جربة بعد أن تشبع من العلوم الاقتصادية في بلاد الغرب. عاد إلى تونس وهم يحمل معه مشروعا اقتصاديا أو بالأحرى مشروعا حضاريا على حد قوله، مشروع أطلق عليه اسم tunisie.compagnie. وللتعريف بمشروعه، أجرى الخبير الاقتصادي فاتح مامي مجموعة من اللقاءات بجزيرة جربة. الشروق كان لها لقاء بالسيد مامي تحدث فيه عن تجربته خارج حدود الوطن كما استعرض خلاله أهم مقومات مشروعه الحضاري. هل أن عودتك إلى تونس اقترنت بثورة 14 جانفي؟ منذ مغادرتي أرض الوطن سنة 1987 كنت دائما على اتصال بتونس وعلى دراية بكل ما يحدث في بلدي، كما كانت لي علاقات اقتصادية بتونس حين كنت أعمل في التجارة العالمية حيث كانت لي دراية بالوضع الإداري والمعاملات الديوانية والخدمات المالية والبنكية ومسألة تحويل العملة وصرفها كما كنت على دراية بالعديد من المشاكل مثل التعطيلات الإدارية. ومنذ سنة 2006 أصبحت أتردد أكثر على تونس وأصبحت أباشر نشاط البعث العقاري. فتركيزي على التعريف بمشروعي الاقتصادي ليس مرتبطا فقط بثورة 14 جانفي بل هو نتاج لاهتمامي الكبير منذ مدة طويلة بالشأن التونسي. لكن طبعا بعد 14 جانفي أصبحت المسألة ملحة أن كل تونسي مطالب بأن يساهم بما يقدر في بناء تونس أفضل لكل التونسيين بدون إقصاء. من أين انطلقت فكرة مشروعك tunisie.compagnie؟ انطلقت الفكرة من رغبتي في المساهمة في بناء تونس أفضل ورأيت أن تكون مساهمتي في الميدان الذي أتقنه وهو الميدان الاقتصادي خاصة أني لاحظت أن أغلب النقاشات والحوارات في فترة ما بعد الثورة اهتمت بالجانب السياسي. لذلك أردت أن أعطي الجانب الاقتصادي الأهمية التي يستحقها خاصة وأن الدوافع الاقتصادية هي في الحقيقة الدوافع الرئيسية للثورة التونسية. لذلك فقد تعجبت من أن السبب الرئيسي للثورة يكاد يكون مهمشا ومنسيا ومغيبا تماما من المشهد الإعلامي ومن الرأي العام ومن الزعماء السياسيين والأحزاب السياسية، فأردت أن أساهم ببعض الأفكار والخواطر لجلب الاهتمام بالميدان الاقتصادي القادر على معالجة وحل مشاكل البلاد الرئيسية، ومن هنا جاء التفكير في برنامج اقتصادي متكامل له أبعاد اجتماعية وسياسية وبيئية. .. ما هي مقومات هذا المشروع؟ هو في الحقيقة برنامج حضاري لأنه يركز على الإصلاحات الهيكلية التي هي في نظري وفي نظر العديد من الخبراء ركيزة الاقتصاد والمبادرة الفردية. فهذه الإصلاحات تتطلب تغييرا في المفاهيم وفي تقييم الوضع وفي الرؤية المستقبلية وتتطلب كذلك تغييرا في العقلية. فلا يمكن الحديث عن إصلاح سياسي أو اقتصادي أو مؤسساتي أو هيكلي دون الدخول في نقاش القيم والأهداف والتوجهات الفكرية. لذلك فان المطلوب في البداية هو القيام بتقييم شامل لوضعنا الحالي والتفكير في تصورات حضارية ومستقبلية جديدة. هذه التصورات ربما يحملها مشروع tunisie.compagnie الذي يقوم على تجنيد كل الطاقات التونسية وخاصة البشرية وكذلك الطبيعية والمالية إلى الإنتاج والاستثمار وبناء الاقتصاد وهو ما سيساهم في حل المشاكل الاجتماعية وخاصة مشكل البطالة وضمان مستوى عيش وقدرة شرائية أفضل لكل التونسيين. هذا الاتجاه يقوم على تحرير الاقتصاد وإزالة القيود والعراقيل وتشجيع القطاع الخاص على المبادرة والاستثمار والإنتاج واستعمال أكثر ما يمكن من الطاقات. لكن هذا يتطلب إصلاحات على مستوى المؤسسات وإصلاحا إداريا شاملا ويتطلب إصلاحا قضائيا وقانونيا جذريا ويتطلب أيضا إصلاحا جبائيا وإصلاحا في مسألة الدعم التي تمثل الجانب الأساسي في مشروعي الاقتصادي. لماذا التركيز على مسألة الدعم في مشروعك الاقتصادي؟ يمثل الدعم عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة وعلى مواردها وعلى مداخيلها. ويمكن الاستشهاد هنا ببعض الأرقام. فالدعم اليوم في تونس يمثل 25% من ميزانية الدولة وهي نسبة مرتفعة من نفقات وأعباء الدولة. لكن لو عدنا إلى الفكرة الأصلية للدعم وهو إعانة المعوزين والمحتجين أي يعني التكافل الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية ففكرة الدعم في الأصل هي تقديم إعانة وتشجيع للمحتاجين، لكن في التطبيق هذه الفكرة أدت إلى الوضع الحالي حيث أصبح الدعم يشمل الجميع. فمثلا الخبز المدعم أو المواد الغذائية المدعمة ليست مدعمة للمحتاجين فقط بل لكل الفئات، وهو في نظري غلط في تطبيق الفكرة الرئيسية وهي فكرة نبيلة يقبلها كل التونسيين. فأنا أرى في برنامجي أن نعود إلى الفكرة الرئيسية والى الهدف الرئيسي من الدعم وهو توجيه إعانات إلى المحتاجين والمعوزين والذين يمثلون ٪40 من التونسيين. فعوض أن ندعم ٪100 من التونسيين. فما قدمته في برنامجي هو إلغاء الدعم والذي يقدر اليوم بمبلغ أربعة مليار دينار ثم يتم تقسيم ثلث هذا المبلغ على المحتاجين الذين يمثلون ٪40 من التونسيين وذلك في شكل إعانات نقدية أي بمعدل 300 دينار في حين أن نصيب الفرد من الدعم في الوضعية الحالية هو في حدود 120 دينارا. أما المبلغ المتبقي من الدعم بعد طرح الثلث المخصص للمحتاجين، فاني قدمت مقترحين، الأول يتمثل في تخصيص نصف المبلغ المتبقي للقيام بإصلاحات جبائية وذلك بتخفيض الجباية عن الأفراد وعن الشركات بطريقة يتم بموجبها منح المحتاجين (٪40) امتيازا آخر يتمثل في عدم خلاصها الجباية على المدخول الشخصي وكذلك تخفيض العبء الجبائي والضرائبي على الفئات المتوسطة فمثلا 63% من التخفيضات الجبائية على المداخيل تكفي للطبقة المتوسطة. هذا يعني أن الإصلاح الجبائي ليس في صالح الفئات الثرية والمترفة التي لا تحتاج لمثل هذه الاصلاحات الجبائية ولهذا الدعم بل هذه الفئات هي التي ستساهم بهذه الطريقة في إعانة الفئات المحتاجة ونكون بالتالي حققنا مبدأ التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع. أما النصف الثاني من المبلغ فسيخصص لتخفيض الأداء على القيمة المضافة من ٪18 إلى ٪12 وهو كذلك ما سيخفف أعباء المصاريف على الفئات المتوسطة والضعيفة التي تخصص جزءا هاما من مداخيلها لمصاريف يرتبط بها الأداء على القيمة المضافة وبالتالي فان التخفيض في الأداء على القيمة المضافة سيكون أيضا لصالح الفئات المتوسطة والمحتاجة. لقد قمت بالاعلان والكشف عن جانب هام من برنامجك الاقتصادي كما نشرت هذا الجانب على صفحات ال«فايس بوك»، فهل لا تخشى من أن يتم أخذ أفكارك واستعمالها؟ إن هذا البرنامج موجه إلى كل التونسيين وهو ليس بحكر على شخص معين وليس الهدف من هذا البرنامج هو الشهرة أو تحقيق مصالح شخصية فالهدف هو المساهمة في توفير حلول للبلاد ينتفع بها كل التونسيين. وأنا سأكون سعيدا جدا في صورة تبني هذه الأفكار من أي طرف سواء كانت أحزاب أو جمعيات أو منظمات أو أفراد. هل عرضت هذا البرنامج على حزب معين أو على أي طرف وكيف كانت مواقفها؟ لقد اتصلت بالكثير من الأحزاب ولاحظت أن هذه الأحزاب متخوفة من هذه الأفكار والإصلاحات الجديدة والجريئة، وهذه الأحزاب تعتقد أن التونسي غير جاهز وغير ناضج بما فيه الكفاية لمجابهة هذه القضايا المصيرية بحلول جديدة وحلول جريئة. فالنسبة للأحزاب مثل هذا البرنامج لا يمكن أن يكسبها أصوات ولا يمكن أن يوصلها إلى الحكم. لذلك فاني أتساءل هل أن هدف هذه الأحزاب من الوصول إلى الحكم هو خدمة الناس وحل مشاكلهم أم مجرد مجرد الوصول إلى الحكم فقط. أنا أرى أن التونسي وخاصة بعد الثورة وصل إلى درجة من النضج والوعي التي تمكنه من مجابهة الواقع وتحمل مسؤولياته. ومن جهة أخرى فان انعدام البرامج الاقتصادية المتكاملة على الساحة العامة والساحة السياسية والساحة الحزبية، يعد من المسائل غير المقبولة. لذلك فأنا أدعو كل من انضم إلى حزب معين أن يطالب ذلك الحزب بأفكار وحلول وتقييم صريح وفعال للأوضاع والمشاكل. وما لاحظته اليوم أن الكثير من الأحزاب تأسست دون أن تكون لها اتجاهات سياسية أو فكرية أو إيديولوجية واضحة فالكثير من الأحزاب ليس لها برنامج وكل ما تنادي به هو مجرد شعارات. .. هل تضمن مشروعك الحضاري إصلاحات سياسية؟ فعلا، فإلى جانب البرنامج الاقتصادي اقترحت إصلاحات سياسية. فلقد اقترحت اعتماد نظام برلماني والتخلي عن النظام الرئاسي الذي أدى في بلادنا وفي كل البلدان العربية إلى الدكتاتورية. لكن اقترحت أن يكون النظام البرلماني مصحوبا برئاسة الجمهورية لها شرعية ولها وزن ويكون رئيس الجمهورية منتخبا من الشعب. ..كما اقترحت أن العديد من المسائل يقع الحسم فيها في المستقبل عن طريق الاستفتاء الشعبي العام. وهذا النظام تدخل فيه صبغة الديمقراطية المباشرة التي هي أعلى درجات الديمقراطية. ..