مازال عدد هام من المتورطين في نهب مال الشعب التونسي يجوبون شوارع البلاد ويقيمون في أفخم النزل وقد كشفت عديد الأبحاث عن تورط رجال أعمال وأصحاب نفوذ من عائلتي بن علي والطرابلسي في نهب المال العام لكن بدأت الملفات تكشف أيضا عن تورط أجانب في سرقة هذا المال وتهريبه إلى الخارج. أخطر قضايا نهب المال العام متعلقة بالشركة التونسية لصناعات التكرير أو ما يعرف بشركة ستير (STIR) وهي شركة عمومية مختصة في تكرير النفط الخام لتغطية حاجيات السوق الوطنية من مواد البترول والمحروقات. أبرمت شركة ستير اتفاقية مع شركة ترانس ماد (Transmed) تحتكر بمقتضاها هذه الشركة عمليات شحن ونقل النفط الخام من ابار عشتروت بقابس ورمادة عبر مينائي الصخيرة وجرجيس إلى جرزونة بولاية بنزرت ليتم تكريره هناك. شركة ترانسماد (Transmed) التي انتفعت دون غيرها بعقد مع شركة ستير العمومية التي يعود رأسمالها للشعب التونسي هي شركة يملكها المنصف الطرابلسي شقيق ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ويحمل مالك هذه الشركة صفة المجهز مع الإشارة إلى أنه المجهّز هو الذي يملك على الأقل باخرة في حين لا تملك شركة ترانسماد «Transmed» أي قطعة بحرية. إذن كيف ستتصرّف هذه الشركة خاصة أن المبالغ والمرابيح المتأتية من عمليات الشحن والنقل خيالية؟ منصف الطرابلسي وجد الحل، إذ قدّم ما يفيد اتفاقه مع شركتين الأولى فرنسية والثانية سويسرية في إطار عقد مناولة ليتوليا الشحن والنقل وطبعا سوف تكون المبالغ المالية المسداة لقاء الخدمة بالعملة الصعبة. إذن تم الاتفاق في البداية مع شركة يملكها تونسي على أن يكون الخلاص بالدينار التونسي فإذا بالاتفاقية تتحوّل ليكون الخلاص للشركتين الأجنبيتين بالعملة الصعبة. ظهر فجأة في هذا المشهد المتشابك العناصر شخص مجهول اسمه بيار بونار (Pièrre Bonard) لم يعرف عنه سابقا أنه رجل أعمال أو مختصّ في هذا المجال وهو فرنسي الجنسية وحسب أحد المحامين وهو الذي توجه إلى باريس للبحث في ملفات هذا الشخص فتوصّل إلى أنه لا علاقة له بمجال الأعمال ويصنّف ضمن الأشخاص العاديين. بيار بونار دخل إلى تونس وأصبح يتصرّف على أنه الوكيل القانوني وقدّم على أساس ذلك توكيلا لشخص آخر. الأشغال كانت تتمثل في نقل البترول الخام من مينائي الصخيرة وجرجيس إلى شركة ستير بجرزونة من ولاية بنزرت لتكريره وكانت هذه العمليات تتكلّف مبالغ مالية خيالية بالعملة الصعبة. الأستاذ شكري عزوز هو المحامي الذي قام بالأبحاث توصل إلى أن AMD غير موجودة وأن نشاطها توقف منذ سنوات إذن إلى أن كانت توجه الأموال؟ كما تبين أن التوكيل الصادر عن شركة بارماكس (Parmex) إلى بيار بونار لم يكن توكيلا قانونيا لتفويضه بالقيام مقامها وإنما كان توكيلا لفتح حساب بنكي لها بتونس، وهكذا تبين أن عمليات شحن البترول الخام التونسي من الجنوب إلى ستير كانت تتخلها جرائم تحيّل ونهب لمال الشعب التونسي وإضرار بميزانية الدولة وإفراغ لها من العملة الصعبة. الملف الآن اكتملت صورته وتم رفع قضية لدى النيابة العمومية ومن المتوقع أن تنطلق الأبحاث والتحقيقات قريبا للكشف عن أكبر عملية تحيّل في تونس.