بقلم الأستاذ: سيف الدين مخلوف كثر منذ مدة عدد المتسلقين نخلة الشرف على مرأى ومسمع من كبار البلد، كثر المتسلقون والمجد للشهداء. كثر المتسلقون وازدحم المضمار رغم أن السباق انتهى وصارت اللعبة بلا رهان، فزمن البطولة والشرف ولّى بخلع الصنم وصارت المواقف بلا ثمن. أقول قولي هذا بعد أن تصدّى عديد الأطراف في عدد من القطاعات المتدخلة في مرفق العدالة لمشروع المرسوم المنظم لمهنة المحاماة بطرق شتى، وصلت حد تخوين المحامين واتهامهم من قبل حتى من أبدعوا في مناشدة الصنم بمحاولة ركوب الثورة والانتهازية، بل وحدا الأمر بأحد الكائنات إلى السخرية من المحامين طالبا تمتيعهم باختصاص غسل الموتى، فلم ينزل له سادة الكلام واكتفوا بإكرامه بنظرة احتقار على قدر غبائه، ولا يعرف عنه أغلبنا هل يحمل الباكالوريا أم دخل مهنته قبل فرضها. واليوم وقد تمت المصادقة ونشر المرسوم عدد 79 لسنة 2011 المؤرخ في 20 08 2011 والمتعلق بتنظيم مهنة المحاماة، فإنني رأيت من المهم أن أساهم في رفع بعض اللبس عن كل من لم يقرأ المرسوم أو قرأه ولم يشأ أن يفهمه، برغبة خبيثة أو حسدا من عند نفسه، وسأحاول الإيجاز في بعض الملاحظات البرقية احتراما لحيّز النشر الصحفي: أولا: مشروع هذا المرسوم تم إعداده في عهد المخلوع بين شهر جوان وشهر ديسمبر 2010 لما كان الآخرون يسبحون بحمده صباحا مساء، إذ كان أول نقطة في البرنامج الانتخابي لعميد المحامين الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني والذي فاز بثقة المحامين في الانتخابات الوحيدة التي كانت تستحق لقب نزيهة، وهذا القانون كان مطلب المحامين من سنين طويلة بسبب التزايد الكبير في عدد المحامين من حوالي 2000 سنة إلى 8000 اليوم، وذلك بتنظيم سبل الالتحاق بالمهنة، ومواجهة تقلص مجال التدخل، وتفشي مظاهر السمسرة والاحتكار خاصة لقضايا الدولة والمؤسسات العمومية، وتكمن أهمية القانون أيضا في أنه ينظم مهنة المحاماة باعتبارها «تشارك» في إقامة العدل وليست مجرد مساعدة في ذلك وهي المهنة التي تقدم الخدمات القانونية مع توفير كل الضمانات للمواطن باعتبار أن المحامي يعمل في ظل القانون وتحت رقابة هياكل المهنة تسييرا وتأديبا. ثانيا: القانون جاء لإعادة الاعتبار لحق الدفاع الذي داسه بن علي وأعوانه وخاصة بعض القضاة الذين كانوا يتأمرون بأمره وكانوا يده التي يبطش بها معارضيه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وكانوا يعتمدون التستر على جرائمه وعلى التعذيب والنهب والتزوير، وكان المحامي هو الطرف الضعيف في المحاكمات، بل وكان كثيرا ما يترافع تحت التهديد بإحالته حينا إلى الغياهب إن تجاسر على تجاوز الخطوط الملونة التي يحددها له «قاض» مأمور. ثالثا: القانون جاء رائدا في تكريس التداول على المسؤوليات، إذ منع على العميد ورئيس الفرع إعادة الترشح مطلقا، كما رفع من مبادئ المحاماة إلى درجة فرض القسم على احترامها، كما فرض القانون تأمين المحامي على المسؤولية المدنية، وقرب الخدمات الإدارية من المواطن والمحامي بإحداث فرع جهوي بكل محكمة استئناف، وطور هيئة محكمة الاستئناف التي تنظر في استئناف قرارات هيئة المحامين بتغيير المستشارين بمحامين منتخبين يساهمان في تقديم الرأي بخصوصيات المهنة أسوة بالدوائر التجارية والشغلية مثلا، كما سعى القانون إلى تطوير مجلس التأديب بما يتيح استقلالية أكبر لأعضائه ورفع كل الضغوط عنهم. رابعا: حمى القانون المنافسة الشريفة بمضاهاة السمسرة بالتحيل طبق أحكام الفصل 291 من المجلة الجزائية، وهو ما من شأنه ضمان أدنى قدر ممكن من التوزيع العادل للقضايا بما يعود بالنفع على المواطن الذي يختار محاميه حسب الكفاءة وليس تحت تأثير التغرير والتحيل. (يتبع)