من مزايا ثورة تونس أنّها راكمت وبصفة تدريجيّة حوارا وطنيّا واعيا ومسؤولا، حوار يُفضي إلى توافقات واسعة وينتهي شيئا فشيئا بقاطرة التغيير والإصلاح إلى شاطئ الأمان مثلما يأملهُ كلّ التونسيين. والتونسيات. على عكس ما يعتقدهُ البعض وما تروّج له بعض الأطراف فإنّ في الأحزاب التونسيّة والنخب والشخصيات الوطنيّة الكثير من العقلانيّة والرصانة والواقعيّة ايضا، لقد أوشكت بلادنا أن تتهاوي في لحظات ما من مسارها الثوري إلى حالة من الفوضى والتداخل والضبابيّة، ولكن قبول الفاعلين السياسيين بالحوار والتواصل أثمر نموذجا تونسيّا في الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي سيتكرّس بمناسبة المحطة الانتخابيّة المنتظرة يوم 23 أكتوبر القادم والتي يتوفّر لها اليوم من الفرص والإمكانات والحظوظ في أن تجري في أجواء من التنافس النزيه والشفافيّة والعدالة. لقد أعطت الأحزاب السياسيّة عبر إمضائها على مبادرة عياض بن عاشور حول مسار الانتقال الديمقراطي (بعد 23 أكتوبر)، أعطت درسا في القدرة على تقريب وجهات النظر حتّى بين تلك الأطراف المتباعدة كليّا في التوجّهات والخيارات الفكريّة والإيديولوجيّة يمينا ويسارا ووسطا، والأكثر من هذا كلّه أنّ الحكومة المؤقتة نفسها وعلى الرغم ممّا وقعت فيه من أخطاء وما لحقها من كلام وحتّى تجريح فإنّها تواصل الإمساك بالأوضاع إلى درجة كبيرة بفضل فتحها لقنوات الحوار والتواصل مع مختلف الفاعلين السياسيين ومع وسائل الإعلام وسيكون نجاح انتخابات المجلس الوطني التأسيسي على النحو الّذي توافقت عليه جلّ الأطراف السياسيّة والاجتماعيّة ورغب فيه التونسيّون أكبر دليل على تحقيقها للمهمّة الّتي تولّتها منذ 3 مارس الفارط وهي إيصال البلاد إلى حالة الشرعيّة والخروج بها من الوضع الانتقالي الهش. إنّ الحوار الصريح والمفتوح والصادق بين كلّ الأطراف السياسيّة الحزبيّة منها والرسميّة والمستقلّة كذلك يبقى وسيظلّ المدخل الوحيد لتأمين المزيد من المكاسب والنجاحات للمسار الثوري ولتحقيق النقلة المنشودة والقطع مع الماضي، ذلك أنّ بجلوس المختلفين في الآراء والتصوّرات والمقاربات بعضهم إلى بعض تتراءى نقاط الالتقاء، وهي كثيرة، ويتمّ التعمّق في كلّ النقاط الخلافيّة بغاية تجزئتها وإزالة ما تراكم عليها من تشويش واضطراب وربّما أراجيف وإشعاعات. فعند تلك المحطّة فقط يُمكن أن تتقارب التوجهات والمقترحات وأن يتمّ تجنّب كلّ مظاهر التطاحن والصراع غير المجدي والتجاذب غير البناء، عندها فقط تتأسّس ركائز الانتقال الديمقراطي على شكلها الصحيح والناجع. وذلك هو قدر التونسيين ماضيا وحاضرا ومستقبلا منفتحون على بعضهم البعض باحثون عن الوسطيّة والاعتدال وكذلك متمسّكون بروح التوافق والانسجام ووحدة الهدف دوما نحو مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم وللأجيال القادمة.