لا يختلف اثنان في كون الإستعمار الإستيطاني يعد أبشع أنواع الإستعمار. وهذا الشكل مورس بالأساس على القطر الفلسطيني، بفعل الحركة الصهيونية العالمية، التي شعارها، أو بالأحرى مبدؤها، يتلخص في المقولة الشهيرة أو قل المقيتة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، وعلى أساس شكل متوحش من أشكال العنصرية ،ذات المرتكزات، أو المرجعية، الدينية والذي يوهم بأن الشعب اليهودي هو «شعب الله المختار»، إلى جانب عديد المقولات والمبررات الأخرى، التي لا داعي إلى ذكرها هنا. وقد تمثل هذا الإستعمار الإستيطاني في استئصال شعب بأكمله من جذوره وزرع «جسم غريب»، سرطاني خبيث، مكانه ، هو الكيان الصهيوني الذي يمثل _ وهنا لا أفشي سرا_ «رأس حربة الإمبريالية»... إسرائيل: الولاية الأمريكية رقم 51 ما كان لإسرائيل أن تكون لولا المساندة المطلقة_ إلى حد التبني_ التي حظيت بها الصهيونية من قبل الغرب وبالتحديد الإنقليز(«وعد بلفور»)، الغرب الذي دفع به إحساسه بالذنب، أو قل بالتواطؤ في ما يتعلق ب«المحرقة النازية»_ فتورط في محرقة أبشع وأكثر فظاعة من الأولى، يذهب الفلسطينيون ضحيتها_ الغرب آل على نفسه، إذن، التكفير عن الذنب بارتكاب ذنب أشد فظاعة وبشاعة، يتمثل في دعم اليهود الصهاينة في الحصول على وطن _أو «استرجاع وطنهم»_ عن طريق استعمار القطر الفلسطيني وتحويله إلى دولة يهودية. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى «يعود الفضل» إن بصفة مباشرة أو غير مباشرة في احتلال القطر الفلسطيني، إلى الإمبراطورية العثمانية («الرجل المريض») التي لم تقدر على الحفاظ على «مستعمراتها» والذود عنها... وبمرور الزمن وبفضل المصالح الإقتصادية التي برزت للأمريكان في منطقة الشرق الأوسط ،ومنها بالأساس السيطرة الكلية على تلك المنطقة الإستراتيجية والغنية بالبترول،أساسا، تبنت أمريكا «القضية الصهيونية» كليا ودون قيد أو شرط ،تحت ضغط اللوبي الصهيوني، الذي يسيطر كليا على مصادر القرار، ويحدد ملامح أي حكومة وسياساتها، وتحديدا السياسة الخارجية والدعم اللامشروط للكيان الصهيوني ،لما لديه من قوة ضغط مالي... التخاذل والتواطؤ العربيان ما تجدر الإشارة إليه ،و يؤسفني حقا، كون عديد المصطلحات خرجت من القاموس السياسي العربي، و أضحت ضمن الأرشيف. من بين تلك المصطلحات:» الكيان الصهيوني» و»القضية الفلسطينية» اللذان عوضا ب: «إسرائيل» و«معضلة الشرق الأوسط» و... «غزة المحاصرة»...وهذا التغيير في المصطلحات رافقه للأسف تغير في الرؤى والمواقف. في السبعينيات قال أحدهم في حديث عن الموقف العربي المتخاذل: «لو كنا مائتي مليون ذبابة لأبدنا الصهاينة، لكن...». ثالوث اتحد في المناورة على القضية الفلسطينية وفي التحامل عليها ولإفشال كل نضال من أجل تحريرها: الصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية فالإستعمار الإستيطاني للقطر الفلسطيني ما كان له ليتدعم منذ 1948 لولا الدعم المباشر وغير المباشر من الرجعية العربية التي لها أيضا مصالحها الضيقة_ ضيق كرسي الحكم_ والمتمثلة أساسا في الحفاظ على السلطة وتأبيد الوضع ،بالحيلولة دون انعتاق شعوبها ،وتمكنها من بناء سلطة تكون للجماهير فيها القدرة على تغيير مجريات الأمور، والتصدي بالأساس للمناورات والمخططات التي تحيكها الصهيونية، بدعم من الإمبريالية . تنامي الإستيطان الصهيوني ما كان له ليتخذ تلك الأبعاد لولا «الصمت العربي» و «الموقف الرسمي» المتخاذل، إلى حد العجز عن التنديد بالمجازر التي ترتكب في حق شعبنا العربي في فلسطين والحصار المفروض عليه منذ سنين، من ناحية، ولولا الإنقسامات التي ما انفكت تشق صفوف الفصائل الفلسطينية والصف العربي، عموما، من ناحية أخرى... وللتذكير فقط أقول إن العرب بما لديهم من قوة اقتصادية بإمكانهم أن يشكلوا «لوبي» أقوى بكثير من اللوبي الصهيوني لو اتحدت كلمتهم ولو أمكن تغيير جذري في أعلى هرم في السلطة بالأقطار «المواجهة» للكيان الصهيوني. الثورات العربية: هل بإمكانها أن تعيد توزيع الأوراق؟ الجماهير العربية التي صنعت «ربيع الشعوب» ،بفضل الثورات المتتالية، التي اندلعت هنا وهناك، تبقى الأمل الوحيد في إحداث تغيير جذري في الموقف العربي من القضية الأم. موقف الجماهير المتجاوز للتخاذل والتواطؤ الذي عرفت به الحكومات العربية على مدى عقود . الموقف الثوري للجماهير الشعبية التي لا و لن تعترف بالإستيطان الإسرائيلي، وينبغي أن تعيد الطابع المركزي الفعلي للقضية الفلسطينية. دأبنا منذ زمن على القول إن تواطؤ الحكام والملوك العرب وتخاذلهم هما سبب الإنقسامات في الصف العربي ،وخاصة في الموقف العربي، من ناحية، وسبب تنامي الإستعمار الإستيطاني الصهيوني، الذي ما انفك يكتسح الأراضي الفلسطينية ، ويدعم وجوده بأشكال مختلفة ،فارضا سياسة الأمر الواقع، من ناحية أخرى... وهاهي الثورة قد اندلعت بالقطرين التونسي والمصري، أساسا، فهل تستفيق الجماهير وترجع المجد إلى العروبة، وتعمل على القطع التام والنهائي مع التطبيع، بل و تذهب إلى أبعد من ذلك، إلى فرض إرادتها على الكيان الصهيوني وإجباره على القبول بالشرعية الجماهيرية وليس الدولية، إذ لا يرجى شيء من «منتظم دولي» في ركاب الإمبريالية_ وبحق الفلسطينيين في الوجود في إطار دولة وليس «دويلة»_ قابلة للحياة، ولم لا تحرير فلسطين بالكامل؟ والذي هو مطمح كل الجماهير العربية، لكن، للأسف، يصعب تحقيقه ،في ظل تنامي قوة الإمبريالية المتوحشة، التي تدعمت سيطرتها على العالم بأسره، منذ عقود، في غياب قوى مضادة لها ، وخاصة لكونها تعد المرحلة القصوى للتسلح وللطغيان... أما آن الأوان للعرب كي يكفوا عن تقزيم أنفسهم ويعرفوا حجمهم الحقيقي ككيان قوي وليس ضعيف كما يريدون أو يعتقدون بفضل إرادة شعوبهم التي لا تقهر...؟ عبد القادر بن جديرة (باحث في الإعلام والإتصال)