يُقدّم الخبير الاقتصادي ورئيس قائمة «تونس 1» للحزب الديمقراطي التقدمي المنصف شيخ روحه قراءة للوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس بعد ثمانية أشهر من الثورة وقبل أقل من شهر على الاستحقاق الانتخابي ويطرح حلولا للقضايا العاجلة والآجلة في سياق الحوار التالي. ما هي المقاييس والمنطلقات التي تم على أساسها اختيار المنصف شيخ روحه رئيسا لقائمة مهمة وذات ثقل (تونس 1) لحزب له وزنه الكبير على الساحة السياسية؟ قائمة «تونس 1» حاولت أن تكون متوازنة ومتكاملة سواء من حيث السن أو احترام مبدإ التناصف أو التخصصات ففيها الشبان والكهول والإطارات من أساتذة وخبراء وأصحاب المهن الحرة... هي قائمة متوازنة بين الشباب والكهول، نأخذ منهم الحماس ونقدم لهم الصبر والخبرة. فهذه من الأشياء التي دفعتني إلى رئاسة قائمة «تونس 1» إضافة إلى أسباب سياسية أخرى، وأنا أشكر الحزب الديمقراطي التقدمي الذي أتاح لي الفرصة لأن أخدم بلدي لأول مرة على النحو الذي أراه. ونحن في الحزب الديمقراطي التقدمي نؤمن بأن لتونس ثروة وحيدة هي شعبها، بشرط أن يكون أبناؤها وبناتها ديمقراطيين وحداثيين، وحزبنا وسطي يحترم آراء الآخرين ولكنه يرفض التداخل بين الدين والسياسة ويرفض أيضا التطاول على الإسلام الذي هو تراثنا وهويتنا. بوصفك خبيرا اقتصاديا ما هي خارطة الطريق التي يمكن اتباعها لبناء اقتصاد وطني قوي، بمعنى أن خبرتك الاقتصادية تمكنك من تشخيص مواطن الخلل وتقديم بدائل للإصلاح، فما هي رؤيتك للوضع الاقتصادي بالبلاد؟ عندما كنت في فريق التخطيط والمالية الذي ترأّسه الأستاذ منذر القرقوري (في مطلع ثمانينات القرن الماضي) وضعنا خطة للتنمية الجهوية وقد قسم القرقوري تونس إلى سبع جهات (أقاليم) ولاحظنا أن نسق نمو الجهات الغربية أضعف من نسق نمو الجهات الساحلية، وقمنا ببرامج ومخططات تنمية بحيث يصبح نسق نمو الجهات الداخلية أسرع ، فقد كانت لدينا قناعة بأن تونس تنمو بصفة غير متوازنة وكانت المؤشرات الاجتماعية آنذاك خطيرة وتوحي بالانفجار لذلك فتحت السلطة السياسية الباب أمام نقاش جدي حول الاستثمار في المناطق الداخلية ولكن في آخر عهد بورقيبة تم إبعاد القرقوري ثم جاء بن علي وتغيرت المعطيات وتم إنهاء مهام ذلك الفريق. واليوم نعتبر أن من أولى الأولويات في تونس أن نقوم ببرنامج علمي حتى يصبح نسق النمو في هذه الجهات أسرع وحتى يتم ذلك بمجالس جهوية منتخبة، لأنه إذا لم يتم هذا الأمر ستنفجر تونس ثانية... لا بد من تمثيل شعبي ومن عودة الكفاءات التونسية لاستكمال المهمة. أما رؤيتنا لإصلاح الاقتصاد فتنطلق من تجربتنا في هذا المجال فقد اشتغلت منذ سنوات على عدة حالات وأنا أرى اليوم أن العالم تغير بصفة لا رجعة فيها، فالعالم اليوم منقسم إلى نصفين إذ لم يعد هناك بلدان متطورة وأخرى متخلفة بل هناك بلدان صاعدة وأخرى بدأت مرحلة الغرق والدخول في الفقر. واليوم نحن نريد لتونس بشبابها أن تكون من البلدان الصاعدة اقتصاديا واجتماعيا، كذلك لا نقول تعالوا نقلد أمريكا أو أوروبا الغربية، فهذه الدول دخلت مرحلة النزول، بل علينا أن نتطلع إلى النماذج الناجحة مثل تركيا التي بلغ فيها معدل النمو 5, 10بالمائة ونعتبر أن البقاء في مستوى خمسة بالمائة كمعدل للنمو ليس كافيا بل لا بد أن ترتفع هذه النسبة إلى 7 بالمائة حتى يكون للجميع دور في المنظومة الاقتصادية ، وأعتقد أن تونس قادرة على بلوغ نسبة نمو ب 8 بالمائة بشرط التخلص من الفساد. ما هي الخطّة التي يُمكن أن تُوصل إلى تلك الأهداف التنمويّة؟ أما الخطة التي يجب وضعها فهي أن يقوم نواب الشعب ضمن لجان مختصة بالعمل القانوني والإجرائي لتنفيذ برامج التنمية، واليوم أمامنا فرص كبيرة مع ليبيا لتشغيل أصحاب الشهائد العليا وأيضا جميع المتخصصين في القطاع الصناعي وغيره، وهناك مجال لإقامة مؤسسات موحدة بين التونسيين والليبيين فضلا عن ضرورة إقامة علاقات جدية بين دول المغرب العربي وهي المنطقة التي تشهد أقل نسبة تبادل تجاري في العالم، وهذا أمر لم يعد مقبولا... فنحن نخسر 2 بالمائة سنويا من معدل النمو بسبب غلق الحدود المغاربية، فإذا أضيفت هذه النسبة إلى الثمانية بالمائة التي تحدثنا عنها يمكننا إدراك معدل 10 بالمائة، وهذه وصفة أقدمها لتونس كما قدمتها لبلدان أخرى من قبل. وباختصار أقول اليوم الدكتاتورية وراءنا والصعود أمامنا، فلا رجوع عن هذا المنهج... أعلم أن هناك مصاعب مثل نقص الاستثمار الخارجي ولكن الوضع ليس كارثيا فبالأرقام هناك 32 شركة أجنبية أغلقت أبوابها بعد الثورة من بين 3400 شركة أي بنسبة أقل من 1 بالمائة، وعلى الحكومة القادمة أن تدرس النجاحات التي حققها المستثمرون الأجانب ولا بد من عودة الشرعية (بمؤسسات منتخبة) لأنها أول ضمان للمستثمر. منطقة تونس 1 التي تهم بالدرجة الأولى مجال عملكم تطرح عدة تحديات على الحزب، فماذا أعددتم لمواجهة هذه التحديات؟ منطقة تونس 1 هي خريطة مصغرة لتونس برمتها وإمكانات تطبيق المقترحات التي يطرحها الحزب يجب أن تتم في إطار لجان تنبثق عن البرلمان والمجالس الجهوية والبلديات المنتخبة. فما نراه خلال زياراتنا أن بعض المناطق التي لا تبعد أكثر من ثمانية كيلومترات عن وسط العاصمة لا تزال تعيش أوضاعا مزرية، ففيها مناطق تفتقد الماء الصالح للشراب وفيها مناطق ذات كثافة سكانية عالية (مثل منطقة سيدي حسين التي تعد 94 ألف ساكن) تفتقد المرافق الصحية والتثقيفية، وهذه صورة من المشهد المتردي في الجهات. وحزبنا على قناعة بأن تونس قادرة على أن تمثل نموذجا اقتصاديا واجتماعيا ناجحا مثل تركيا وأن توفر الكرامة للمواطن وهو يؤمن بأن الديمقراطية ليست نظرية فقط أو إيديولوجية بل هي وسيلة للوصول إلى 8 بالمائة أو 10 بالمائة من معدل النمو ولمكافحة الفساد والقضاء على المشاكل المطروحة. بصرف النظر عن الاعتبارات السياسية، كيف تقيم برنامج حركة النهضة الذي قدمته قبل أيام، وهل ترى أنه برنامج قابل للتطبيق؟ أنا على يقين بأن جميع التونسيين وطنيون وكل ما تقدمه الأحزاب من برامج هو من منطلق ظنها أن ذلك ينفع البلاد، بمعنى أنه من حيث المبدأ نرى دائما أن النية طيبة ولكن قد تكون النوايا كذلك لكنها تؤدي إلى نتائج سيئة... وباختصار أقول إن النية وحدها لا تكفي ولكن يجب أيضا توفر المهنية. من هو المنصف شيخ روحو ؟ حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال والدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ، ودرجة الهندسة الميكانيكية من المدرسة المركزيّة بباريس. وفي الوقت الحاضر هو أستاذ الاقتصاد الإداري والمالي الدولي ، وتولّى التدريس في جامعات مختلفة في أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط وأمريكا الشمالية. اهتماماته تشمل الاقتصاد ، والآثار المالية والإستراتيجية والمشاريع التعليمية متعددة الجنسيات وكذلك إقامة التحالفات الإستراتيجية بين الشركات من أوروبا ومن العالم الناشئ. وهو عضو في العديد من الجمعيات والمنتديات العالميّة ذات الاختصاص الاقتصادي والمالي.