منذ سقوط نظام بن علي حصل تشويش في صورة المشهد السياسي لدى عدد كبير من النخبة، ثم بدا للبعض ان المرحلة تقتضي اعادة الاصطفاف، فالمطبّلون لبن علي وأعوانه الذين استماتوا في الدفاع عن «صانع التغيير»، أصبحوا بعد أيام فقط يقولون «إن رشيد عمار هو منقذ البلاد والعباد» عاش رشيد عمار، صانع التغيير الجديد وحامي الثورة.. لكن الجيش والجنرال عمار لم يقعوا في الفخ.. فخ المطبّلين الراقصين رقصة الريح. ظل أولئك في ارتباك بن علي هرب، ورشيد عمار لم يكن هو الحاكم الجديد، اذن ما العمل؟ خلف من سيكون الاصطفاف؟ وأي الموائد يجتمعون حولها وخلف من سيصلّون؟ الحل في «حركة النهضة» حسب رأيهم، فأصبحت الحركة التي لا مبارز لها، وأصبحت الحركة التي قادت الثورة والمؤتمنة على الاسلام والمسلمين والقادرة على تشغيل ضعف ما وعد به بن علي عشية كذبه على الشعب، وأصبحت الطاهرة الناصعة الفائقة الباسلة وأصبحت في كل جولة هي الغالبة، حتى أن منهم من وعد بإذن الله أن يكون عدد منخرطي النهضة ثلاثة ملايين، مثل حزب التجمّع بالضبط، لا زائد ولا ناقص. هؤلاء الذين يقولون «زار اليوم الشيخ راشد الغنوشي» و«قال الاخ سمير ديلو» و«تحدّث الرائع حمادي الجبالي»... يقولون أيضا «أدى الشيخ راشد الغنّوشي رئيس حركة النهضة زيارة الى المنطقة مرفوقا بعدد من اطارات ومناضلي الجهة وبحضور الممثلين الجهويين والمحليين للحركة أمام حضور استثنائي كبير جدا». ألا يذكّر هذا بالقول «أدى السيد محمد الغرياني الامين العام للتجمع الدستوري الديمقراطي زيارة الى المنطقة مرفوقا بعدد من الاطارات ومناضلي الجهة وبحضور السلط الجهوية والمحلية أمام حضور كبير جدا». هكذا تحوّل بالنسبة اليهم بن علي الى نسخة اسلامية وحزب التجمع الى حزب النهضة، وعاش من أصبح ملكا... لكن ماذا لو فوجئوا بعد 23 أكتوبر بأن النهضة ليست الا حزبا عاديا، وأن تونس لن يحكمها بعد اليوم حاكم واحد وأن تونس لكل التونسيين وأن صدرها مثل صدر الأم لأبنائها، وألا أحد بإمكانه التسلط ثانية فمن أسقط بن علي يمكنه ان يسقط أعتى الأحزاب تجبّرا. ومن أطلقوا اللحي ولبسوا العمائم بعد ان كانوا حليقين ناصعين ولابسين لربطات العنف البنفسجية وحاملين لصور بن علي وباكين يوم فاتتهم قائمة المناشدين. قد يجدون أنفسهم مساندين لمن يعتقدون انه سيكون الحاكم حتى وإن كان بطريقا. انهم الذين يصلون خلف علي ويأكلون على موائد معاوية.