حيال المهرجان التنكري في مجلس الامن بشأن سوريا والتي أرادت فيه القوى الاستعمارية القديمة والجديدة والمستحدثة لباس الباكي المتباكي على أوضاع حقوق الانسان في سوريا ولبوس الحريص على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.. لابد من الوقوف مليا وإعادة قراءة المواقف وكشف نواياهم ومقاصدهم لأن الدم السوري المنتفض غال جدا ولأن أوراق ربيع دمشق تُقصف إما بالشبيحة او بالعناصر الارهابية وإما ب«إعلام الدولار والبترودولار».. ولأن الأمر كذلك فلابدّ للمدافع عن هذا الدم النقي والأبي ان يكون مستقلا عن الشبيحة ومناهضا للارهاب ومقاوما لثقافة «الدولار» وممانعا وناقدا لاذعا لصحافة التحريض والتقويض ولإعلام الاستنجاد بالقوى الاستعمارية. ذلك أن وجود ثالوث «الاستعمار والسلاح والرجعية العربية» في تكتل وخيار ومشروع قادر على كشف طبيعة هذا التحالف ومعدن هذا الخيار ونهايات هذا المشروع. بالأمس فقط، ألقت ذات العواصم على مسامعنا خطبا عصماء على الإبادة العرقية في سوريا والتعذيب المنظّم والقمع الممارس يوميا ضد المتظاهرين واعتبرت ان رفع الفيتو على قرار الأممالمتحدة ضد النظام السوري سيمثل خذلانا لقوى التحرر من ربقة الاستبداد والفساد. وفي نفس اليوم أيضا ارتفعت عقيرة ذات الدول تنديدا بتوصية منظمة التربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» قبول عضوية فلسطين الكاملة في مجلس الامن. وفي ذات اليوم أيضا لم تجد نفس العواصم حرجا أخلاقيا أو قانونيا في رفض أو الامتناع عن التصويت في المجلس التنفيذي لليونسكو لصالح طلب العضوية الأممية. وفي اليوم نفسه، الذي كانت تقاطع فيه سفيرة الولاياتالمتحدةبالأممالمتحدة سوزان رايس كلمة نظيرها السوري ابراهيم الجعفري خلال مداولات مجلس الأمن، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تهدد بقطع التمويل الأمريكي للمنظمة في حال لم تراجع قرارها القاضي بالتصويت لصالح الدولة الفلسطينية. بل وفي عين الظرف الذي كانت أعين الغرب وإخوانهم من «العُرب» تبكي نفاقا وطمعا وتزلفا لحال الشعب السوري كانت واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي تجاهر برفضها المشاركة في المؤتمر الدولي «ديربان 3» المناهض للدول العنصرية بغية دعم تل أبيب في عنصريتها ومساندتها في إبادتها للشعب الفلسطيني. لن نعيد قراءة «تاريخ» الفيتو الأمريكي الفرنسي البريطاني وشواهد رفعه وسياقات الجهر به.. ولن نراجع ملفات الأممالمتحدة وملاحق قراراتها وبياناتها لنرصد توجهات السياسات الأمريكية والغربية ككل.. فالتحالف العضوي بين الامبريالية والعنصرية والصهيونية لا يحتاج لمحاججة او استدلال فكري. ولكن لن نقبل أبدا، ولن نبتلع، جهود الغرب دخول أرضنا واختراق سيادتنا وخرق حرمتنا باستغلال دمائنا المراقة على عتبات الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية. ولن نقبل أيضا، متاجرة البعض الآخر، من عُرب وعجم بدماء السوريين ومقايضتها بمواقف دمشق العروبية ووزنها الاستراتيجي المؤثر جدا في ملفات العراق ولبنان وفلسطين وايران. كان بإمكان النظام السوري ان «ينعم» بتغطية اعلامية ناعمة وبرد دولي خافت على الشاكلة البحرينية لو قبل الدخول في لعبة المقايضات بالملفات ودائرة مبادلة الأدوار.. ولكنه أبى.. ليس بالضرورة لأسباب مبدئية قومية وإن كنا لا نستبعد هذا الامر عن البعث ولكن لقناعة تامة بأن الغرب سيحرق كافة الأوراق من اليد السورية وان انقلاب الغرب على دمشق لن يكون سوى مسألة وقت. على القوى الثورية السورية ان تدرك أيما ادراك ان الملف السوري لا يعدو أن يكون ورقة مصالح لدى الغرب وأن الأخير جاهز لتغيير مقعده وخطابه وسياساته وتعطيل عقوباته لو أمّن له النظام ذلك... وبمقتضى ذلك فعليها البحث عن حليف مبدئي لا يبيع رأس الانتفاضة السورية في «سهرة بوكير» نعيد ما قاله يوما عزمي بشارة في كتاباته قبل ان يصبح أول المنقلبين عليها، كل معوّل على واشنطن لا يعوّل عليه... قبل ان نضيف اليها ان نهاية كل معوّل على الغرب وأذنابه هي «الخذلان والبهتان والحرمان والنسيان».