في خضم الحديث عن رئيس الجمهورية بعد 23 أكتوبر وعن مواصفاته وحتى عن شخصه رمى الأستاذ كمال القفصي المحامي والمختص في العلوم السياسية بقنبلة قانونية جديدة قد توجه الحديث حول المجلس التأسيسي ودوره والرئاسة وفرضياتها الى وجهة جديدة. وذكر الأستاذ القفصي في دراسة حديثة أنه لا يوجد أصلا أي اختصاص للمجلس في انتخاب رئيس جمهورية انتقالي قبل التداول ثم البت في طبيعة النظام السياسي الذي سيقع اتباعه. حيث ذكر حرفيا ما يلي: لا سبيل للمجلس التأسيسي في انتخابات رئيس جمهورية انتقالي دون التنازل عن صفته وشرعيته ومناطه وطبيعته وعهدته، فيصبح آلة عمياء يقودها مدبرها لإعادة انتاج النظام السابق في شكل جديد وبذات الموضوع والطبيعة. وليس له أصلا ذلك الاختصاص قبل التداول ثم البت في طبيعة النظام السياسي الذي سيقع اتباعه: برلماني أو رئاسي أو مختلط. والحديث أو المبادرة في انتخاب رئيس جمهورية انتقالي يكون خرقا لشرعيته الانتخابية وبطلانها تباعا عن ناحية الشرعية الحكمية والدستورية. كالتنازل دون تفويض وتخويل من الشعب الناخب عن الصفة السيادية في انشاء وتأسيس نظام سياسي جديد وفق أصول الشرعية الانتخابية والدستورية، وليس الانسياق دون اي وجه وموجب في اتباع نظام سياسي بائد من جهة صبغته السياسية الرئاسية والتمديد في أنفاسه، واعادة انتاجه، كما أسلفنا. بينما مناطه وصفته السيادية كمجلس تأسيسي منتخب شرعيا، تتثمل في تأسيس نظام سياسي جديد أصلا وموضوعا، وليس تلفيقا أو استنساخا بشكل جديد واعادة انتاج النظام. وواصل قائلا : ويخلص من ذلك أن المجلس التأسيسي ليس مخولا أصلا في انتخاب رئيس جمهورية انتقالي قبل النظر والتداول واستفتاء الشعب عند الاقتضاء عن طبيعة النظام الجديد، الشيء الذي لا يمكن تحقيقه قبل انتخاب رئيس ونائب أول ونائبين تكريسا وتجسيدا وتمثيلا لسلطته الاصلية التأسيسية والتشريعية، عندها تكون قد قامت واستقرت شرعية الحكم في موضعها، وتحققت لحظة العبور من الحكم في موضعها، وتحققت لحظة العبور من الحكم المؤقت بواسطة مؤسستي الحكومة والرئاسة المؤقتة، استنادا لنظامها الدستوري المؤقت، وفق المرسوم عدد 14 لسنة 2011، الى الحكم الشرعي القانوني المستقر، بواسطة المجلس التأسيسي المنتخب، الماسك بالصفة القانونية وبالشرعية الدستورية في يده أصليا، لأن مناطه صياغة الدستور الناظم للبلاد والعباد. وفي هذه اللحظة والساعة التاريخية الفارقة والحاسمة في علاقة السلطة التنفيذية بالتشريعية، يصبح المجلس التأسيسي ممثلا لهرم الدولة وشرعية نظام حكمها، وتجتمع لديه السلطة التشريعية والتنفيذية، لأن الأخيرة لم يقع انشاؤها بعد ترتيبا أوليا في أعمال المجلس. ويؤكد الاستاذ كمال الفقير أنه وحال انعقاد المجلس التأسيسي صحيحا وانتخاب رئيسه ونوابه، فإن الرئيس المنتخب للمجلس التأسيسي، يقوم مقام رئيس الجمهورية بالوكالة/ النيابة، وجوبا وحتميا حسب الأصول الدستورية في سائر بلاد الأرض، (وفلسفة القانون عند هيقل/ Hegel، ونظرية القانون المحض عند هانس كلسان/Hans Kelsen) لأنه بقيام شرعية الحكم يتوجب على ممثل الشرعية في شخص المجلس التأسيسي ورئيسه، سد الشغور الحاصل في منصب رئيس الجمهورية بالوكالة/ النيابة، وليس انتقاليا أو مؤقتا كما يشاع خطأ فادحا عند الساسة ورجال القانون، نقصا في التمحيص والتعمق والنزاهة العلمية، وتنقضي الوكالة حالما يقع النظر والبت في اختيار أحد الأنظمة برلماني أو رئاسي أو مختلط. فلا مجال أو سبيل عندئذ تجاوزا لما يروجه بعض الاعلام تأويلا أو لسانا لبعض الادعياء من رجال القانون الدستوري أو الساسة المتحذلقين، الذين انساقوا في متاهة اعادة انتاج النظام السياسي البائد بمؤسسة رئاسته الفاشلة، في نقاش بل لغط لا يقدرون دلالاته ومضامينه ولا يفقهون آثاره العميقة ومترتباته العاجلة والآجلة. وذلك هو الفيصل المميز والحاسم للقاعدة الدستورية بصفة علويتها وصبغتها التأسيسية، التي لا تحتمل أي مس أو عمل من جهة أو سلطة لا تحظى بالشرعية الانتخابية والدستورية تباعا. ويواصل: على انه من صميم صلاحيات واختصاص المجلس التأسيسي، النظر والبت بعد انتخاب رئاسة المجلس واحلال رئيسه محل رئيس الجمهورية بالوكالة، فيخلفه في رئاسة المجلس نائبه الأول بصفته شرعيا ودستوريا، في المسألة الأولية المتعلقة بطبيعة النظام المراد اتباعه، وان لم يفض التداول في المجلس بشأنه بالأغلبية المطلقة 50% زائد 1 من أعضاء المجلس وعند الاقتضاء أغلبية 60% يحال البت في طبيعة النظام رئاسي أو برلماني أو مختلط الى استفتاء كافة الشعب أو جزء ممثل له تيسيرا للاجراء مثل هيئة المحامين سلك القضاة والنيابات الخصوصية للبلديات واساتذة القانون الدستوري المباشرين. على ان النظر والبت في المسألة الأولية بصورة منفردة ومفردة عن باقي صياغة الدستور ليست وجوبية طالما أن كتابة وصياغة الدستور جارية ويفترض ان يحتويها، والمجلس التأسيسي سيد نفسه بصفته سلطة أصلية منشأة للنظام السياسي المتبع. وفي موضع آخر يقول: أما الخشية من اجتماع كافة الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بيده، فذلك تجاهل للأصول المستقرة في العلوم السياسية والقانون الدستوري وطبيعة ومقتضيات شرعية الحكم وعلم الدولة، اذ أن المجلس التأسيسي حالما ينتخب حكومة تمارس سلطة تنفيذية على الوجه الشرعي الصحيح، زالت عنه صفة السلطة الأصلية التأسيسية المنفردة المطلقة لتشاركه فيها السلطة التنفيذية في شخص الحكومة المنتخبة، في ظل مبدإ التفريق والتوازن بين السلط، وتسترسل الحياة الدستورية في نظام الدولة تباعا في انبثاق سلطة تنفيذية شرعية تراقبها ومسؤولة لديها سلطة تأسيسية صارت بعد انتخاب الحكومة سلطة تشريعية تحتفظ بمهام تأسيسية استثنائية نسبة لكتابة الدستور، وانحجبت عنها صفة السلطة التأسيسية المنفردة المطلقة، في علاقتها بالتنفيذية ضمن توازن وانسجام ومراقبة متبادلة وتشاور ومشاركة مرنة ذات جدوى ونفع في دفع عمل المجلس والحكومة، والتحلي بالمسؤولية الوطنية، والاستجابة الى متطلبات المرحلة خاصة منها السلم الاجتماعي بالتشغيل والتنمية والأمان المدني بالعدل وحياد الادارة عن السياسة.