اشتدت أزمة الاسمنت أكثر في القصرين رغم قلة أشغال البناء حيث لا نشاهد أشغالا الا قليلا وفي بعض المناطق فقط لا يمكن لها أن تؤثر على هذه المادة ، طوابير يوميا أمام محطة النقل الحديدي وشجار بين الحرفاء ولا أحد يعرف سبب الأزمة. «الشروق» تحولت إلى المحطة لتبحث في المسألة فوجدنا 8 حاويات معبأة ولكنها مغلقة ولا يُعرف أصحابها قيل لنا إنها موجهة الى القصرينالمدينة دون اعتبار المعتمديات علما وأن الحاوية تحتوي على 400 كيس من الاسمنت حسب مصدر مطلع أي أن الحاويات تحتوي على 3200 كيس ولا نظن أن هذه الكمية غير كافية لتغطية حاجيات المواطنين في القصرين خاصة إذا علمنا أن عدد سكان المدينة لا يتجاوز 130 ألفا.
فالمشكل على ما يبدو ليس في فقدان الاسمنت أو قلته وإنما أعمق من ذلك بكثير أي أن الأمر يتعلق بالاحتكار واعتماد الوساطات في بيع المادة وهو ما أكده كل المتحدثين إلينا مثل السيد الزين الرحيمي الذي ذاق الأمرين من أجل الحصول على 20 كيسا حيث ظل«حسب ما صرح لنا» ينتظر منذ شهر ولم يتحصل على مبتغاه متسائلا عن سر غياب المراقبة إذ وصل سعر الكيس 10 دنانير علما وأن الثمن الحقيقي 6 دنانيرو 200 مليم للعادي و 6دنانيرو 800 مليم للعال ) ورغم ذلك فهو مستعد لشرائه ولكن الحظ لم يسعفه ، نفس الملاحظة ساقها السيد حسن بوعزي صاحب منشر لبيع « الكنتول « تضررت تجارته كثيرا من فقدان الاسمنت وهي المادة الأساسية لتجارته ومن ارتفاع الأسعار أيضا فالكيس الواحد من الاسمنت الذي يبلغ سعره 10 دنانير يوفر 70 مربّعا من « الكنتول « والمربع يباع ب 250 مليما أي أن الكيس يوفر له 7.500 مليم من المرابيح وهذا أمر جيد لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار مادة الرمل و كمية الماء التي يستعملها واليد العاملة فماذا سيجني هذا التاجر ؟واتجهنا الى رئيس المحطة السيد إبراهيم الصويدي وطرحنا عليه المسألة فصرح بأن شركة السكك الحديدية تلعب دور الوسيط فقط فالحريف يشتري مادة الاسمنت من المصنع – عادة ما يكون مصنع الجريصة من ولاية الكاف و في حالات الأزمة يتم الالتجاء إلى مصنع بئر مشارقة من ولاية زغوان – والشركة توفر القطارات لجلبه مقابل أجر وطبقا لفواتير يتم تسليمها إلى أصحابها هنا في القصرين – سلمنا إياها للاطلاع عليها - أي أنها لا دخل لها في عملية البيع والشراء ولا تعلم شيئا عن الاحتكار أو البيع بالوساطات مضيفا أن الشركة جلبت الى القصرينالمدينة منذ 1 مارس الى يومنا هذا معدل 5 آلاف طن من الاسمنت وهو ضعف ما جلبته الشركة في السنة الماضية في نفس هذه الفترة ( 2000 طن ) .
طرف ثالث متهم في هذه المسألة بالتقصير في آداء واجبه هو الإدارة الجهوية للتجارة (المراقبة الاقتصادية) اتجهنا إلى مقر هذه الإدارة لاستجلاء الأمر فذكر لنا المدير أنه رغم الظروف الأمنية الصعبة التي تمر بها الجهة فإن الأعوان أخذوا على عاتقهم مسؤولية مكافحة أي تجاوز رغم ما يمكن أن يتعرضوا له من اعتداءات لعدم مرافقتهم بأعوان أمن و أكد أن كل من في الإدارة مجنّد للتصدّي لكل تجاوز للقانون وحضرنا نقاشا دار بين المدير و تجار لهذه المادة عرفنا من خلاله الخطة التي اتبعتها الادارة للقضاء على مشكلة الاسمنت حيث منعت الادارة بيع الاسمنت في القاطرة لأنه جرت العادة أن يقدّم التاجر للحريف وصولات تثبت شراءه لهذه المادة والحريف يتسلمها من القطار مباشرة وهذه الطريقة دفعت بالعديد من السماسرة الى الدخول على الخط وشراء كميات كبيرة ثم بيعها في السوق السوداء بأسوام باهظة وقد بررت تاجرة اعتمادها هذه الطريقة بتخلصها من معلوم النقل ولكن المدير طالبها باحترام الخطة المعتمدة منذ 14 نوفمبر والمتمثلة في نقل كميات الاسمنت إلى المحل وبيعه هناك أمام أعين الناس مع تحديد كمية معينة حتى يتمتع كل طالبي المادة بحقهم.
ولاحظ المدير باستغراب أنه بصدد القيام بدراسة حول هذه المادة وأنه توصل إلى أن 200 هكتار من المساحات تم بناؤها في القصرين منذ جانفي إلى أكتوبر الماضيين حسب ما تم بيعه من الاسمنت وهو رقم مفزع مضيفا أن مشكلة الاسمنت أعاقت الإدارة عن الاهتمام بمسائل أخرى لا تقل أهمية مثل مكافحة ظاهرة الحليب الذي تجاوزت مدة صلوحيته التاريخ المحدّد و مسألة البيض والدجاج ، فالإدارة لها خطط لتعديل كل الأسعار المرتفعة شريطة أن يتوفر لها الوقت الكافي .
المسألة إذن ليست في قلة الاسمنت بل هي في التوزيع غير المتكافئ للمادة والاحتكار الشديد الذي يمارسه البعض من التّجار والسّماسرة فهذا التهافت من شأنه أن يؤدي الى ارتفاع الأسعار وانتشار ظاهرة الاحتكار فالمستهلك هو القادر على التخفيض في الأسعار .