(1) شكرا للثورة التونسية التي جاءت على حين غرّة... شكرا للثورة التونسية التي إحتار في تسميها الأهل والأصدقاء الأقارب والأعداء حتى باتت بين الياسمين وسدرة المنتهى لا يفصلها إلا تاج من الشوك وطريق معبد لمزيد من العذابات والهذيان... شكرا للثورة التونسية حين تعير نفسها للآخرين وتهمل أبناءها أو تلتهمهم كالسّعلاة وتستعير حراسها من خارج الأسوار... شكرا للثورة التونسية التي ولدت في الحوض وثغت بعود ثقاب على قارعة الطريق أمام الولاية، وهرولت من الوسط الهلالي إلى الشمال الغربي كالريح الصرصر، واستقرت في الشارع الرئيسي كالقيامة لتعيد للأعراب ذكرى السقيفة تحت قبة البرلمان .. شكرا للثورة التونسية تخرج التونسيين من تقزّمهم المكثف كالذرة، لتحولهم إلى عماليق من ورق تذرذر أحلامهم وتبلبل ألسنتهم... شكرا للثورة التونسية التي فاجأت الثوار والنخب والخبراء والفقهاء والحكماء والسماسرة والتجار والمقامرين والمغامرين والمهرطقين والكهنة والمتنبئين والمحللين والوعّاض والملائكة النائمين في أحضان التقيّة والمخاتلة والنفاق... شكرا للثورة التونسية على الوفاق الزّبوني، والعناق الثلاثي، وعلى ترياق الهدنة، شكرا للثورة التونسية على جحافل الأحزاب فيهم ما فيهم من الفرق الناجية وفيهم ما فيهم من المبشرين الأوائل بالجنة النجدية، شكرا للثورة التونسية تنعش سياحة العدالة الإنتقالية في الفنادق المكيفة، شكرا للثورة التونسية تستظل بظل حكومات الظل لتربك الخطاف مبشرا بالربيع الكاذب... شكرا للثورة التونسية التي حولت البلد إلى «مختبر» هكذا يردد المراقبون المتمترسون أو الراكبون والمترجلون بالنعال والشلائك، المتهندمون بالقبعات أو العقال... شكرا للثورة التونسية كأحجية تدخل غابة الربع الخالي وتعدنا بصابة النفط ومصيبة الكبريت . (2) شكرا للثورة التونسية التي اختارت شهر اللعنات : جانفي . يحتضن الليالي السود . تلك الليالي التي يتفتق فيها كل عود – هكذا يردد البدو منذ خسارتهم في معركتهم ضد الإستبداد يقودهم علي بن غذاهم . شكرا أيتها الثورة التي بدأت في عامها الأول متزامنة مع الليالي السود حسب الرزنامة الأعجمية أو العجمية... شكرا لهذه الثورة التي فتحت مجدها بضرب المبدعين، وبإرسال اللحى وقضاء الحاجة في الخلاء، وتذكير الشعب التونسي أنه كان يعيش في الجاهلية الجهلاء . شكرا لهذه الثورة التي تكرر تحت إلهام إشارة إلاهية : « خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام « . شكرا لثورة في سنتها الأولى تدعو إلى مأدبتها كل الطغاة القادمين من ربعهم الخالي... شكرا للثورة التونسية التي نبهتنا بوجوب الذود على قداسة الذات الإلهية في شريط من الكرتون، شكرا للثورة التونسية تعيد إلينا محنة المعتزلة، شكرا للثورة التونسية التي حولت المساجد إلى نواد للتثقيف السياسي وساحتها إلى سوق لعطر الموتى والجلابيب وكتب الألباني وبن باز والأعمال الكاملة لعلماء الأمة النجدية... شكرا للثورة التونسية التي اكتشفت عوراتنا، واكتشفت جاهليتنا واكتشفت أن طريق تحرير القدس يمر من إفريقية... شكرا للثورة التونسية التي فتحت تاريخها بضرب الجامعة التونسية والجامعيين فعلا ورمزا... شكرا للثورة التونسية التي أرجعت إلينا معارك لم تنبت في أرضنا... وأبدلت مسألة مطالب الكرامة والحرية والمواطنة والتحرير والتنوير بفقه المقاصد وأسلمة المجتمع... شكرا للثورة التونسية تفتح عهد الفتوحات مجددا من سجنان إلى القيروان . (3) شكرا للثورة التونسية التي ساوت بين الشهيد والقناص في القداسة والغيبة... شكرا للثورة التونسية التي جبرت ضرر الشهيدة بوصفها نصف شهيد... شكرا للثورة التونسية التي أيقضت خلايا العصبية والعروشية النائمة... شكرا للثورة التونسية التي أعادت إلينا من الأزياء التقليدية برنس ثورة صاحب الحمار... شكرا للثورة التونسية التي أعادتنا لأهل السنة والجماعة وللحاكمية . شكرا للثورة التونسية التي سمحت لديوان الحسبة على النوايا والإيمان موضوعا للاختبار الليزري... شكرا للخليفة القطري يتكفل بالمعوقين في هويتهم وبالشهداء في فنادق حورهم... شكرا للثورة التونسية تخرج من جلباب المرشد الأعلى لتنفلت من بردة الشهيد... شكرا للثورة التونسية التي حولت الفرح ترفا والحزن صلاة دائمة... شكرا للثورة التونسية التي جعلت البلاد تكتشف هويتها مع العبادلة السبعة و شكرا للثورة التونسية التي تحول فيها شتم الزعيم نافلة من نوافل الحنابلة... شكرا للثورة التونسية على كل حال في ذكراها الأولى.