إثر سقوط قنطرة المالح التي تفصل هنشير الحجاج عن محيطها دخل الأهالي في عزلة شبه تامة عطلت تواصلهم الاجتماعي وتعاملاتهم التجارية والفلاحية والتعليمية مع مدينة باجة وبقية الأرياف المجاورة. وتزايد البؤس وعمت الخيبة واتسع الاحساس بالاحباط وقد تأكد للمواطنين أن منطقة الحجاج لن يستقيم حالها إلا برفع سقف الاحتجاجات ولكن هيهات حتى الإضرابات والاعتصامات ما عادت تكتسي مصداقية في زمن تشابهت فيه المطالب وتداخل الشرعي بالتخريبي والعفوي بمدفوع الأجر. هذا ما أثنى أهالي الحجاج عن الاعتصام ولمن فاته الأمر فقد سبق لمتساكني هذه المنطقة أن قاموا باعتصام مشهود سنة 2010 في عهد بن علي شارك فيه الشيوخ والأطفال والنساء لدفع السلطات آنذاك على تنفيذ مشروع تعبيد الطريق الذي أراد البعض التلاعب به وقد أفضت العملية الاحتجاجية إلى إيقاف ثلاثة كهول وهم صالح وسعد الله والطيب ثم حوكموا ونالوا البراءة بعد تدخل من عديد المحامين المتطوعين ومن الرابطة التونسية لحقوق الإنسان. سجن الزيارة فيه ممنوعةّ!!! لم تتمكن العائلات والشبان أصيلو منطقة الحجاج القاطنين بالعاصمة من زيارة ذويهم وأقاربهم لاسيما آباءهم وأمهاتهم بسبب تواصل انقطاع الطريق منذ حوالي ثلاثة أشهر فالمرور يعد مغامرة عسيرة جدا حتى للشبان فما بالك بالأطفال والعجائز رغم الحيل التي ابتكرها الأهالي كمحاولة تذليل بعض الثنايا الضيقة بوضع الصخور في الوادي لتكون مَطِيّةُ عند المرور. كيف السبيل إلى تسويق الحليب؟ عرف هنشير الحجاج سابقا بإنتاجه الغزير للبقول خاصة الحمص لكن الخنزير البري المنتشر بكثافة في الجبال المحيطة بالمنطقة أفسد عليهم هذا النشاط لإقباله الشديد على أكل هذه المادة الفلاحية فاقتصرت وجهة الفلاحين على الزراعات الكبرى وتربية الأبقار. وقد دأبوا منذ مدة على بيع الحليب إلى أحد وكلاء التجميع يأتيهم صباحا بسيارة مزودة بخزان صحي للحليب يتسلم منهم البضاعة ويمضي لكن تعذر مرور وسائل النقل إلى الهنشير جعله ينتظرهم على بعد كيلمترين تقريبا أي وراء القنطرة المنهارة فلا يقصده إلا القادر على المغامرة أما البقية فلا حيلة لهم. إصرار التلامذة على التنقل إلى المدرسة اعتاد تلامذة منطقة الحجاج التنقل مايزيد عن ثلاثة كيلمترات إلى مدرسة «لغوال» ولم يعد هذا الأمر يشكل بالنسبة إليهم حرجا إذ تمرسوا على آفات الطريق والبرد والحرّ ...لكن الخطير بعد انهيار القنطرة أنهم أصبحوا يواجهون خطرا حقيقيا للمرور رغم ذلك وجدناهم مصرين على التنقل إلى المدرسة بمساعدة آبائهم فلا يقطعون الوادي إلا وقد غمرت أرجلهم وملابسهم الأوحال... تكاليف إصلاح القنطرة 300 ألف دينار أفادنا السيد عبد الرحمان العبيدي رئيس مصلحة إصلاح الطرقات أن تكاليف ترميم قنطرة المالح بهنشير الحجاج قد تصل إلى 300 ألف دينار وهو رقم عجزت إلى الآن سلطة الإشراف على توفيره وقد أدرج المشروع في إطار برنامج جبر أضرار فيضانات نوفمبر 2011 وقامت إدارة التجهيز بالإجراءات اللازمة في إطار البحث عن عروض وتم الاتفاق مع مقاول لكن الأشغال لم تبدأ بعد نظرا إلى تأخر رصد الأموال من الحكومة السابقة في انتظار الإجراءات العملية التي ستتخذها الحكومة الحالية. جاد الفقير بما عنده عمدت إدارة التجهيز إلى حمل شاحنة من الحجارة الضخمة لتأمين «ثنية وقتية» رغم أنها ضيقة وغير آمنة خاصة عندما تنزل الأمطار إلا أنها تمثل حلا وقتيا «ترقيعيا» لا غنى عنه لتمكين المواطنين من المرور لا سيما تلامذة المدارس وقد عبر لنا السيد عبد الرحمان العبيدي عن تفاعل إدارة التجهيز بمختلف مسؤوليها وموظفيها مع الحالة الإنسانية المتردية التي يعاني منها أهالي منطقة الحجاج ووعد قائلا « ما إن تصل الاعتمادات حتى نشرع في الإنجاز مباشرة في يومها بل في ساعتها» وما ذاك الإجراء الذي قامت به الإدارة إلا من باب « جاد الفقير بما عنده».