في منطقة سيدي الرايس من قرية المريسة التابعة لبلدية قربص والراجعة بالنظر لمعتمدية سليمان. هذه المنطقة التي تتبع ولاية نابل تسكنها 25 عائلة رجالها بحارة وزوجاتهم عاملات في الفلاحة. في طريقنا إلى المريسة التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن معتمدية سليمان قيل لنا أن حي سيدي الرايس الذي نقصده عبارة عن أكواخ. الصورة التي نحملها عن الكوخ كانت ببساطة منازل بسيطة أو بنايات صغيرة تربي بها الحيوانات. استوقفنا أولا في هذه القرية محيطها الطبيعي الخلاب فهو ذو جمال أخاذ يشترك البحر والجبل وغراسات الزيتون والعنب في رسمه.. الهواء على برودته الشديدة عليل ومنعش والمناظر بديعة. مشينا قرابة 200 متر في اتجاه الجبل فكانت الصدمة، اضطررنا للوقوف برهة لاستيعاب ما رأينا: أكواخ على امتداد البصر.. اقتربنا أكثر فزادت دهشتنا كأننا سافرنا إلى بلد أخر غير تونس وغير الوطن القبلى (إحدى المناطق المحظوظة بالبلاد التونسية). التقينا خيرة التي تزوجت في «المعامير» (هكذا يسمون الأكواخ) التي تسكنها منذ 15 سنة صحبة زوجها وبناتها الأربعة. حاولنا إخفاء دهشتنا لتجنب إحراجها، في المنزل (الكوخ) غرفة وحيدة ضيقة جدا تكاد تخلو من الأثاث لأنها لا تتسع لأي شيء، إلى جانبها هناك شبه مطبخ وشبه دورة مياه، ولا وجود للتلفاز ولا الثلاجة ولا أي آلة كهربائية لأن الأكواخ غير مزودة بالكهرباء ولا الماء الصالح للشرب ولا قنوات الصرف الصحي. ما إن سمع جيران خيرة بأننا في الحي حتى قدموا وحاول كل على حدة استضافتنا في كوخه وهو يحدثنا عن واقع مرير ولقمة عيش عصية وصعبة المنال وبحر يعاند الرجال وصيد قليل بسبب غياب المحركات والأدوات. سألنا عن صاحب الأرض التي يستقرون عليها فأجابنا لطفي عطية ونعيمة المخلوفي وعادل الهبهوبي وحمادي العياري بصوت واحد إنها من أملاك الدولة التونسية. استفسرناهم عن سبب رضاهم بالعيش في هذه الوضعية التي تفتقر لكل مقومات العيش الكريم فأجابونا في حياء بأن اغلبهم ولد بالمريسة وعاش بها وتعلم الصيد قبل المشي. وأن قلة ذات اليد جعلتهم يقبلون بالوضع. إحدى الشابات بأحد الأكواخ تنام مع أختها في مطبخ كوخهما.. اشتكت لنا البرد شتاء والحرارة صيفا. السقف حسب قولها يقطر عند نزول المطر ويطير عند هبوب الرياح أما الجدران فمتشققة ورغم ذلك فهي تذهب إلى المعهد وتصر على الدراسة أملا في غد أفضل. وسط حي الأكواخ واد يزيد فيضانه من حدة المأساة الإنسانية التي يعانيها السكان حيث تمثل أكواخهم وكرا لتكاثر الحشرات السامة والأفاعي والفئران والناموس صيفا وشتاء مما يعرض الأطفال للإصابة خاصة آن اغلبهم يعاني مواطنون يرفضون الاعتصامات ويستحون من المطالبة بحقوقهم من أمراض ضيق التنفس والحساسية المنتشرة بالحي بصفة لافتة. مدنا أحد الأهالي بوثيقة حوز وتصرف تثبت حقهم في البقاء والتصرف كل حسب المساحة التي يسكنها منذ 15 سنة دون تملك الأرض. وهم يطالبون بتمكينهم من تملك قطعة ارض في الجبل أو أي منطقة أخرى حتى يتمكنوا من بناء منازل لائقة وذات أسقف من الاسمنت المسلح. الغريب في هؤلاء الناس أنهم يأملون في الغد ويقبلون بأية تسوية وأي حل يمكن آن يقترح فبساطتهم ودماثة أخلاقهم تذكرنا بحدة لهجة من اعتصموا من اجل زيادة في الشهرية. في طريق العودة حملنا معنا أملا وصورة طفولة لا بد آن يكون لها مكانها تحت الضوء وصداقات مع أناس أروع ما فيهم البساطة والصبر. عند مغادرة هذه القرية نظرت ثانية إلى سقف كوخ «خيرة» وتذكرت «سقف بيتي حديد.. ركن بيتي حجر.. هنا يخيم الكابوس كلما عصفت الرياح أو هطلت المطر..