كشفت الأمطار الأخيرة التي تم تسجيلها بصفاقس مشاغل أهالي المحروقة من معتمدية عقارب ..فالأحياء متضررون ..وحتى الأموات لم يسلموا من المعاناة .. التي ظلت هاجسا مريرا لدى سكان المنطقة رغم تتالي الوعود. كلم هي المسافة التي تفصل عمادة «المحروقة» عن مركز معتمدية عقارب من ولاية صفاقس. هذه المسافة ظلت هاجس المواطنين وسكان هذه المنطقة المعزولة لأكثر من نصف قرن إذ تتالت الحكومات وتواترت الوعود التي بقيت مجرد سراب حتى مل السكان وهجر أغلبهم أكبر عمادة فلاحية تتوفر على ثروة هائلة من الزيتون وأراض خصبة ، وقد خيّر الكثير منهم الاستقرار بالمدن المجاورة في ظل صعوبة التنقل يوميا إلى عقاربوصفاقس للعمل والدراسة. السبسي مرّ من هنا مازال أهالي هذه المنطقة النائية والمهمشة يتحدثون بألم وحسرة عن أشهر زيارة لمسؤول سياسي ووزير في عهد الراحل بورقيبة ألا وهوالسيد الباجي قائد السبسي في بداية الثمانينات ووعد الأهالي بتعبيد هذه الطريق الوعرة وقتها لكن رحل بورقيبة وغادر بن علي فارا إلى السعودية وتوالت الحكومات والحال تزداد سوءا في «المحروقة» وكأنها قرية مشطوبة من الخارطة التونسية على حدّ تعبير الأسعد بن دبابيس أحد شبابها الذين نزحوا عنها بحثا عن العمل والتنقل بسهولة إذ أن رداءة الطريق تعيق كل متنقل إليها وحتى المعلمون يقضون الساعات الطوال من أجل الوصول إلى مدارسها بفعل غياب وسائل لنقل وتحاشي سيارات النقل الريفي الذهاب إلى «المحروقة» حتى أن سكان عقارب أصبحوا يطلقون عليها اسم «الخربة» نظرا لهروب أهلها تاركين وراءهم حقولا من الزيتون وأراض بور خصبة وديارا أغلبها عشش فيها الحمام وأوصدت أبوابها. مدرستان.. فارغتان لأن النزوح أمر فرضه النظام السابق على أهل المحروقة انعكس هذا الأمر على مدرستي «المحروقة» مدرسة «العطيات» ومدرسة «بن مفتاح» حيث أصبحتا مهددتين بالإغلاق بفعل التقلص الكبير في عدد التلاميذ بسبب النزوح من جهة وهروب عدد آخر منهم إلى مدارس عقارب المركز التي تعاني بدورها اكتظاظا لافتا. جنازة في الطريق العام ولعل من أطرف وأعجب ما آلت إليه منطقة المحروقة بسبب رداءة هذه الطريق وخصوصا بعد الأمطار التي نزلت هذا الأسبوع هواحتجاج بعض المواطنين عندما لم يتمكنوا من إيصال جثمان أحد الأموات إلى مثواه الأخير من عقارب إلى المحروقة فاضطروا لإقامة صلاة الجنازة في الطريق العام رغم وجود جرارات وجرافات التجهيز التي «غرقت» بدورها في الأوحال.