اعتبر محسن مرزوق أمين عام المؤسسة العربية للديمقراطية انه لا يمكن انجاح المسار الديمقراطي في تونس دون إنجاح مسار العدالة الانتقالية التي ستشمل، حسب قوله، حتى الانتهاكات الاقتصادية وجرائم السياسات الاقتصادية التي اعتمدت خلال السنوات الماضية. وأشار مرزوق الى ضرورة انعقاد مؤتمر وطني للعدالة الانتقالية لتتفق جميع الأطراف على الفترة التي ستشملها والانتهاكات التي ستشملها التحقيقات وفي ما يلي نصّ الحوار: ما الفرق بين العدالة العادية والعدالة الانتقالية؟ العدالة الانتقالية العادية هي عدالة فردية والمسؤولية الجزائية فيها فردية بينما تتناول العدالة الانتقالية ظواهر وفترات من تاريخ البلد المعني. الفرق الثاني هو أن العدالة الانتقالية هي عدالة استثنائية ومؤقتة تتناول فترة معينة بالدرس مثل فترة انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان وتحاول معرفة ما حصل بالضبط وهذا مهم لكتابة التاريخ، كما أنه فيها جانب جنائي مثل معاقبة المخطئين وتطهير المؤسسات ويأتي بعدها جبر الضرر المادي وفي الأمور المالية والمتابعة الصحية للضحايا والجانب الثاني وهي معنوي مثل إقامة نصب تذكاري للضحايا. أخيرا تعلن الدولة تحمّلها للمسؤولية واعتذارها عما حصل حتى وإن كان النظام جديدا ولا علاقة له بالانتهاكات. وتأتي بعد ذلك المصالحة وفي العدالة العادية لا تهم القاضي مسألة المصالحة لكن في العدالة الانتقالية الهدف بعد المحاسبة هو الانتقال الى المصالحة لأن المجتمع يصبح بعد ذلك منفتحا على إعادة بناء نفسه ولا يمكن أن تنجح العدالة الانتقالية إلا إذا رافقها مسار انتقال ديمقراطي حقيقي. العدالة العادية هي أيضا عدالة تقوم على القانون فقط بينما تقوم العدالة الانتقالية على القانون وجرعة سياسية أي أن يتفق الفرقاء السياسيون على مدة العدالة الانتقالية ونسقها وهذا سيتم الاتفاق عليه في إطار اتفاق سياسي. هذا الى جانب جرعة من الأخلاق أي أن يكون للعملية بعد أخلاقي، ففي جنوب افريقيا مثلا وضعوا معادلة وهي أنه عندما يعترف المذنب بجرائمه يتمّ الصفح عنه.هذا عموما هو الفرق بين العدالة العادية والعدالة الانتقالية ومن سيهتم بتحقيقها ليس بالضرورة المحامين والقضاة وإنما يتم الاستعانة بالحقوقيين والأطباء والشخصيات الوطنية وممثلين عن مكونات المجتمع المدني. هل أن العدالة الانتقالية ضرورية بعدما شهدته بلادنا؟ هي ضرورية بشكل جوهري فلا يمكن أن تنجح العدالة الانتقالية دون مسار ديمقراطي ولا يمكن أن تنجح في الانتقال الى الديمقراطية دون عدالة انتقالية. فالعدالة الانتقالية لا يجب أن تقتصر على الانتهاكات الجسدية والحقوقية وإنما تهتم أيضا بالفساد ومعالجته، كما أقترح أن تعتبر السياسات الاقتصادية السابقة التي ميّزت بين التونسيين وهمّشت جهات بأكملها وفقّرت أجيالا يجب اعتبارها انتهاكا جسيما لحقوق الانسان وبذلك تصير موضوعا من مواضيع العدالة الانتقالية وأن يحاسب القانون على تلك السياسات محاسبة أخلاقية طبعا والهدف هو أن لا تتكرّر تلك الانتهاكات مستقبلا وبذلك تصير تلك الانتهاكات مجرّمة وتضمن أن تبني مؤسسات تونس مستقبلا على التوازن بين كل الجهات وبين كل المواطنين. ما الذي تتطلبه العدالة الانتقالية حتى تنطلق؟ العدالة الانتقالية يلزمها أولا قرار سياسي يعلن البدء في مسار العدالة الانتقالية لكن قبل ذلك هناك خطوة يجب القيام بها وهي عقد مؤتمر وطني شامل لعائلات الضحايا والضحايا والمجتمع المدني والسلطة واللجان التي شكلت بعد 144 جانفي ويفتقون جميعا حول ما هو مطلوب إنجازه عبر العدالة الانتقالية. هناك عدة أمور تتطلب اتفاقا وطنيا حولها منها المدة التي ستطالها فهل هي فترة بن علي فقط وهل هي الفترة الممتدة منذ الاستقلال وهل هي منذ جرائم الجيش الانكشاري في تونس، فاللجان التي شكلت اهتمت فقط بما حصل خلال شهري ديسمبر 2010 وجانفي 2011، لكن اليوم الاسلاميون يريدون العودة الى فترة بورقيبة لتصفية حسابات مع تلك الفترة. أنا أرى أنه لا بدّ من التركيز على فترة بن علي كموضوع رئيسي ثمّ في مرحلة لاحقة ننتقل الى فترة أخرى. أيضا لا بدّ من تحديد طبيعة الانتهاكات التي يجب أن تتناولها، لا بدّ أن يحصل مؤتمر وطني يعطي الشرعية لهذه الخيارات كما يجب أن تكون هيئة مستقلة للحقيقة والعدالة والمصالحة الوطنية ويصدر قرار بتشكيلها وتشكل من شخصيات وطنية مستقلة ويفوض لها المجلس الوطني التأسيسي كل الصلاحيات للقيام بعملها التحقيقي وتطلب من الحكومة وكل الاجهزة أن توفر لها كل ما يلزم لتيسير عملها. العدالة الانتقالية ستشمل من ؟ ستشمل كل ضحايا انتهاكات حقوق الانسان، المساجين السياسيين والرديف والأحداث الأخيرة والناس الذين تعرّضوا لعمليات فساد اقتصادية هناك مناطق بأكملها حوصرت، كل هؤلاء يجب أن يستفيدوا لجبر الضرر وأخرى لكي لا يتكرّر ذلك مستقبلا. جبر الضرر فيه جانب سياسي اقتصادي فمن أين سيتم توفير التعويضات للضحايا كل هذا يجب أن يدخل في اطار حوار وطني شامل. ألم يكن من الممكن إدراج العفو التشريعي العام في العدالة الانتقالية الى جانب ملفات أخرى؟ هناك اجراءات كثيرة حصلت مؤخرا في تونس وهي مرتبطة بالعدالة الانتقالية منها التعويض لعائلات الشهداء والجرحى والعفو التشريعي العام، لكن العدالة الانتقالية هي الوحيدة التي ستعطي منظومة كاملة، فليس هناك ضحايا ثابتين وجناة ثابتين في العدالة الانتقالية. على سبيل المثال لنفرض أن هناك مجموعة سياسية تعرّضت للقمع من طرف نظام بن علي، كل مناضليها الذين تعرّضوا للانتهاكات سيتلقون جبر الضرر باعتبارهم ضحايا لكن نفس المجموعة إذا كانت فيها عناصر مارست العنف كردّ فعل ونتج عنه انتهاكات لحقوق الانسان يصبحون هم أنفسهم جناة، وهذا يعني أن المنظومة التي ستستند عليها العدالة الانتقالية هي منظومة حقوق الانسان ويحدد الجاني والضحية وفق هذه المنظومة. مثلا في جنوب إفريقيا زوجة نلسن مانديلا اتهمت في مسار العدالة الانتقالية بالمساهمة في أعمال عنف تضرّر منها أطفال بيض ومدنيون فاعتبر مانديلا أن ما أتته جريمة يجب أن تعاقب عليها مثلما عوقب البيض. كيف تتصور أن تتشكل هيئة أو لجنة العدالة الانتقالية؟ اللجنة تتشكل في المجلس الوطني التأسيسي من حقوقيين مشهود لهم بالكفاءة والحياد وتخرج عن المحاصصة الحزبية وهناك شخصيات مثل الدكتور عياض بن عاشور أو الأستاذ مختار الطريفي الذين لهم كفاءة في المسألة الحقوقية والسيد الطيب البكوش المختص في العدالة الانتقالية ليس مثل الذين قدموا أمس. العدالة الانتقالية يجب أن تقبل من جميع الأطراف فليست عدالة المنتصرين، إضافة الى ذلك يجب أن يكون هناك أطباء واقتصاديين وقضاة ومحامين وممثلين عن القطاعات والمجلس الوطني التأسيسي هو من يشكلها وتكون مستقلة عن الحكومة، وتصبح وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية داعما لها وليست مشرفا عليها.