السيد كمال العيادي مهندس كفء وحركي شغوف أحبّ منطقته وتعلق بنهضتها الى حد الهيام. هو أصيل مدينة جندوبة لكنه يرى نفسه في كل أرياف وقرى ومدن كامل الشمال الغربي هذه الجهة ذات تاريخ النضالي التليد والتي تعج ثروات بشرية وطبيعية وتعاني رغم ذلك مآسي الفقر والتهميش والحرمان. تقلد السيد كمال العيادي أعلى المسؤوليات ودخل الحكومية، لكن حذره الفطري من السياسة جنبه السقوط في فخاخ الانبهار بالسلطة والبحث عن بريقها. مكنته مسؤولياته المهنية والعلمية من السفر الى عواصم العالم شرقيها وغربيّها لكنه كان يعود دائما الى مدينة جندوبة من حيث يحلو له ان يطيل المشاهدة في مناظر الشمال الغربي الخلابة، والرجل ليس أكثر رومنسية من أبناء جيله لكنه فهم مبكرا ان حب الوطن أساسه معرفة الموطن. ويسخّر اليوم السيد كمال العيادي كل طاقاته ويوظف كامل شبكة علاقاته لتأسيس فكر تنموي استراتيجي يكون هدفه الأول قلب المفاهيم البالية وتغيير النظر الى خصوصيات هذه الجهة من معوقات الى دوافع للتنمية يقع ضمنها تحديد المسؤوليات بين الدولة والجهة نفسها. ولأنه رجل فكر وعمل سافر الى كل أصقاع العالم فقد انتهى بالسيد كمال العيادي الاقتناع الى أن الطريق الى كل تنمية حقيقية يمر عبر ثورة... على العقليات، وأنه لا يمكن استثناء الشمال الغربي من هذه الثورة. ولما تلحّ على السؤال عن هذا الشغف الذي قد يبدو مشطا في حب جهته يجيبك أنه رجل عالمي في الحقيقة لكنه يؤمن ان العالمية انما هي جهوية بلا حدود. التقيناه لنعرف كيف عاش الأسبوع المنقضي فأوضح ان حادثتين اثنتين استوقفتاه كلاهما متعلق... بالشمال الغربي. موجة البرد والثلوج: بصفتي الرئيس المؤسس لمركز التفكير الاستراتيجي للتنمية بالشمال الغربي واطارا في المنطقة عشناها بجوارحنا. نحن نتألم لهذه الجهة التي تعاني الحرمان والفقر والتهميش فما بالك ان تنضاف اليها كارثة بهذا الحجم وما بينته وسائل الاعلام من معاناة أهالي المنطقة. وهذه المعاناة لن تزول بزوال تساقط الثلوج حيث هناك انعكاسات مستقبلية بدأت بوادرها تظهر على مستوى البنية التحتية التي هي هشة أصلا وستزاداد هشاشة باعتبار ظاهرة الانزلاقات التي تؤدي الى مزيد من العزلة ولن تساعد على تسريع حركة النمو بالجهة بالاضافة الى الانعكاسات السلبية على مستوى سيلان المياه بعد ذوبان الثلوج والذي سيترجم بانجرافات ومياه قد تحدث فيضانات وستؤول الى السدود التي وصل أغلبها الى الطاقة القصوى. انعكاسات اخرى بينها المركز الدراسي أمس في تونس حيث بين خبراء «ان هذه الجهة تتوفر على أعلى نسبة امراض القلب لأن أهلها معرضون الى «رومتزم المفاصل» وموجة البرد ستضاعف من الانعكاسات على صحة الافراد وخاصة الأطفال. كذلك انعكاسات السلبية على مستوى المنازل وبعضها سيصبح غير قادر على الصمود أمام الثلوج وهذا لا تتوفر فيه المعطيات حاليا الا بعد أسابيع عندما يقع فك العزلة على بعض الأرياف ونعرف الحجم الحقيقي للخسائر. انعكاسات أيضا على مستوى موارد رزق بعض العائلات والتي تتمثل في غالب الاحيان في بعض الدواب التي قد تموت هي أيضا جراء البرد. وبالتالي فالوضع في المنطقة هش وازداد هشاشة بحكم هذه الموجة... ونحن في المركز قمنا بيوم دراسي وجمعنا خبراء تحدثوا عن الانعكاسات والتنمية بالجهة والبنية التحتية وكان الهدف في هذا اللقاء هو التنبيه للانعكاسات القادمة على المستوى العاجل ودعوة الحكومة إلى القيام بعملية تقييم واسعة لفهم ما حصل ولتحديد المسؤوليات وتشخيص النقائص التي بررت على مستوى تدخل الأجهزة الرسمية والحكومة والهدف من هذا التشخيص ليس توجيه اللوم لهذا أو ذلك ولكن للوقوف عند النقائص قصد تلافتها في المستقبل وندعو الحكومة إلى إحداث لجنة وطنية محايدة تتألف من خبراء ويكون المجتمع المدني ممثلا فيها لفهم ما حصل ولتشخيص مواطن الضعف في منظومة التدخل ثم تقييم الأضرار الناتجة عن هذه الموجة. وأخيرا تقديم مقترحات وحلول عملية كي لا تتكرر مثل هذه الأشياء وإعداد العدة للمستقبل وهذا الأمر أصبح متأكدا باعتبار أن وتيرة الكوارث ازدادت حيث أصبحت تحصل كل سنة تقريبا فمنذ شهرين عاش الشمال الغربي على وقع الكوارث الطبيعية التي اجتاحت العديد من مدن الشمال الغربي وخلفت أضرارا وها نحن اليوم أمام كارثة من نوع آخر وهناك كوارث أخرى قد تحدث في المستقبل ولا بد من إنجاز منظومة للوقاية من هذه الكوارث والحد من تأثيراتها وتطوير هندسة إدارة التدخلات في مثل هذه الحالات وهذا ما بينته الحاجة باعتبار أن من بين المسببات التي أدت إلى هذا الوضع عدم التهيئ بما فيه الكفاية بالرغم من إبلاغ المعهد الوطني للرصد الجوي وبعض التباطؤ وعدم وجود ردة فعل مباشرة التي كان على الأقل من المفروض أن تعفينا من الأضرار التي وقعت للمواطنين الذين ذهبوا للاستمتاع بالثلوج ومن هنا لا بد من إيجاد منظومة الإنذار المبكر وتبليغ المعلومة حيث لا يكفي الإعلان عن التغيرات لكن يجب وجود منظومة تصرف في المعلومات ترشد المواطن عن حالة الطرقات والأخطار التي تهدده وهذا موجود في بلدان أخرى وليس مستقلا إضافة إلى ذلك فلا بد في برامجنا أن نأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الجهة التي تشهد سنويا تساقط الثلوج فلا بد أن تكون طريقتنا في التدخلات ونوعية المسؤولين ملائمة لواقع الجهة فلا يمكن أن يقبل غياب معدات ملائمة وخصوصية للمنطقة مثل المعدات الخاصة بإزاحة الثلوج والتقنيات المتوفرة في أوروبا وبالتالي ضرورة الاتعاض من هذه التجربة. واستعمال تكنولوجيا ملائة للأوضاع الخصوصية وفي النهاية أود أن أؤكد أن المركز يعبر عن استعداده لمساعدة الحكومة بالكفاءات والخبرة باعتبار دور المجتمع المدني حسب ميثاق الأممالمتحدة يتكامل مع الأجهزة الرسمية طالما الأجهزة تعمل على الاهتمام بالمواطن وتلتقي في ذلك مع دور المنظمات الأهلية ولذا نتمنى أن تستجيب الحكومة وتكون لها الشجاعة في تكوين لجنة وطنية لتغيير الأوضاع وتقديم سلسلة من الحلول على الأمد العاجل او الآجل وفي كلتا الحالتين شرع المركز في التقييم وسيقدمه الى الحكومة اذا وجد تجاوبا معها أو الى الرأي العام عن طريق الصحافة فهاجسنا قبل كل شيء المساهمة في البناء المشترك. ذكرى احداث ساقية سيدي يوسف: ترمز الى الشعور بالمصير المشترك والشعور بالوحدة والتضامن بين الشعب التونسيوالجزائري وهذا الشعور كان سائدا منذ عقود وتجسد في هذه الحادثة التي سالت فيها دماء التونسيينوالجزائريين وبينت ان الشعبين حتى وإن فصلتهما الحدود فهما جزء واحد.. لكن اذا لاحظنا اليوم مستوى المعاملات والتبادل بين الشعبين أرى وأنه ما أبعدنا على هذا الشعور. فأحداث سيدي يوسف لم نستثمرها بما فيه الكفاية للتقريب بين الشعبين وجعل الحدود نقطة عبور وتواصل لتحقيق المصلحة المشتركة ولكن ظلت الحدود عازلة بين الشعبين فنحن فشلنا بينما نجح آباؤنا وأجدادنا ومن هذا المنطلق لابد من التفكير في استثمار هذه الذكرى لتطوير التبادل والتعاون بين الشعبين وخاصة بين المناطق الحدودية في الجهتين فكلتا الضفتين تحتوي على ثروات طبيعية ولكن تعيش أوضاعا شبيهة من ناحية النقص في التنمية وهذا ليس له تفسير سوى ضعفنا وتقصيرنا في تطوير مفهوم المصلحة المشتركة والتبادل البين بين الجارتين. ولو نقارن الحدود بين جميع البلدان فحدودنا مع الجزائر من أقل الحدود في العالم التي تعرف حركية للتبادل ونحن في المركز واعون أن احدى ثروات الشمال الغربي موقعها الاستراتيجي المجاور للقطر الشقيق ونعمل على تثمين هذا المكسب وتفعيله ونتمنى ان تساعد سياسة أعلى هرم السلطة في البلدين على الدفع في هذا الاتجاه. فلم تستفد تونس البتة من الطفرة البترولية التي عرفتها الجزائر ولم تستفد من زخم المشاريع التي عرفتها الجزائر خلال السنوات الاخيرة وهذا ما تؤكده الارقام ولهذا يجب الالتفات الى البنية التحتية وخاصة الطريق المغاربية التي تتقدم على الضفة الجنوبية أكثر من الشمالية حيث ان الرؤية أوضح بالنسبة لامتداد الطريق السيارة في الاتجاه الليبي أكثر منها في الاتجاه الجزائري، أضف الى ذلك الربط الحديدي الذي هو في تضاؤل مقارنة بما كان عليه منذ عقود.