يعتبر ناجح الميساوي أحد أبرز الوجوه التلفزية وخاصة في قسم الاخبار والبرامج الحوارية، لكن اختفى في الفترة الاخيرة وتحديدا بعد 14 جانفي 2011. قرارات جائرة طالت الميساوي... وفي هذا الباب يتحدث عن الضيم الذي لحقه. هذا الاختفاء لم يكن اختياريا بل بضغط من المدير العام آنذاك ومن بعض الأطراف التي ركبت صهوة الثورة أو ما يمكن تسميتهم بالثوريين الجدد... لاقصاء الزميل ناجح وجهت له العديد من الاتهامات مثل أنه كان الابن المدلّل للنظام السابق وأنه حصل على أموال طائلة مقابل خدماته، وبالتأثير على المادة الاخبارية خدمة للنظام وغيرها من التهم الأخرى. حملنا كل هذه التهم وطرحناها على ناجح الميساوي فأجاب عن أسئلتنا بكل أريحية وصراحة، فكانت هذه حصيلة اللقاء... ناجح أين أنت كل هذه الأيام، بل هي أشهر؟ حاليا أعمل ضمن فريق التحرير، عدّت الى العمل بعد أن تمّ إجباري على أخذ عطلة طيلة شهري فيفري ومارس 2011 من قبل الرئيس المدير العام الذي تولى آنذاك الاشراف على المؤسسة ودون تقديم أسباب منطقية، بل كان ذلك تحت ضغط بعض الوجوه من قسم الاخبار التي كانت تعمل في ذلك الوقت ومدير الاخبار وبضغط من بعض الأطراف الأخرى. كيف تمّ إجبارك على الغياب؟ لقد دعاني الى مكتبه وقال لي «عليك الانسحاب لفترة، فهناك تعليمات فوقية»، وأنا أستغرب وأتساءل من أصدر تلك التعليمات في ظل الفراغ السياسي الذي كان سائدا، وعند اتصالي بسلطة الاشراف وأقصد الوزارة الأولى اكتشفت أن الموضوع لا أساس له من الصحة، بل كنت ضحية مؤامرة داخلية. هل كانت لك مع زملاءك في قسم الاخبار؟ بالعكس، وللتوضيح، الأغلبية داخل قسم ا لأخبار تعاملت معها خاصة في الأيام التي تلت الثورة في توافق تام وليست لي مشاكل معهم، بل بالعكس كنا نقضي الليل في التلفزة من أجل تأمين الأخبار والفضاءات الاخبارية المفتوحة مع المواطنين، لكن بعض الوجوه استغلت انشغالي بالعمل، وكانت تحبك المؤامرة من أجل الحصول على مهام رئاسة التحرير وإبعادي لأغراض شخصية وصولية، والدليل أنني كنت أعمل صحبة الزملاء الى حدود أواخر جانفي 2011، ولو كانت لي مشاكل مهنية لما عملت طيلة تلك الفترة، وكان مصيري الابعاد منذ اليوم الأول الذي تلى الثورة. كيف عشت يوم 14 جانفي 2011؟ يوم 14 جانفي كان يوما تاريخيا في حياة التلفزة التونسية باعتبار أننا عملنا داخل قسم الاخبار ولأول مرة دون تعليمات رئاسة الجمهورية ولا وزارة الاتصال ولا رئاسة المؤسسة، ولا تدخل في دليل النشرة، فتحملنا مسؤولية إعداد موعد اخباري خرج عن سياق 23 سنة من الاملاءات، وشاهدنا لأول مرة على شاشة التلفزة التونسية كل الأطياف السياسية تتحدث دون صنصرة وتقدم مطالبها بكل جرأة وحاولنا أقصى ما يمكن تجنب الثلب وتفادي بعض محاولات تدخل الادارة العامة، غيرنا الجينيريك من البنفسجي الى الأحمر، وغيرنا الاكساء (Habillage) وكنا نتابع المظاهرات والاعتصامات في الجهات رغم صعوبة الوضع الأمني، وما يتعرض له بعض الزملاء الصحفيين والمصورين من محاولات تضييق واعتداء وحاولت تنظيم العمل داخل القسم لكن مدير الاخبار الذي تمّ تعيينه آنذاك سعى بكل جهده لعرقلة عملي وحاولت قدر الامكان صحبة الزملاء أن نغير المضمون الاخباري والقطع مع مضمون قدمته التلفزة طيلة أكثر من عقدين وأقل ما يُقال عنه أنه غير مهني ويستفز أغلب شرائح المجتمع. لكنك مسؤول على هذا المضمون، فأنت رئيس التحرير، على الأقل لفترة؟ صحيح كنت أتحمل مسؤولية رئاسة التحرير بعد خروج الزميل عماد قطاطة، لكن لاهو ولا أنا كنا نتحمل مسؤولية ما يُقدم، كنا مجبرين على تقديمه باعتبار عملنا في مؤسسة كانت حكومية ولم تكن عمومية، هذا المضمون من ملفات وبرامج خاصة وأخبار كانت تتدخل فيه بشكل مباشر رئاسة المؤسسة وإدارة الأخبار تنفيذا لتعليمات وإملاءات رئاسة الجمهورية ووزارة الاتصال لتصلني هذه التعليمات بصفتي رئيس التحرير، لكن لم أكن بالخطة بشكل رسمي ولم أسمّ رسميا، ورغم ذلك كنت أتحمل مسؤولية لا أتحملها قانونيا رسميا... لكن يُقال أنك الابن المدّلل للنظام؟ لو كنت مدللا من النظام كما يقولون لحصلت على كل الامتيازات من مكتب وخطة وظيفية رسمية بقت تتأرجح حتى تمّ إعفائي. اتهمت أيضا بالحصول على أموال طائلة، هل هذا الاتهام باطل أيضا؟ سمعت هذا الكلام، وهو متداول، يقولون أنني حصلت على أموال طائلة مقابل التطبيل والتزمير، وهذه فرصة لأوضح، فعلا تحصلت على مكافاءات مالية لكنها ليست بالحجم الذي يتحدثون عنه، وهو مقابل أعمال اضافية مثل الملفات والبرامج الخاصة وبرامج المناسبات الوطنية والتي كان يكلف بها زملاء آخرون، أعترف أن مضامينها كانت تصب جميعا في خدمة النظام السابق وهي إفزاز كما أسلفت لاملاءات وتعليمات. من كان يحدّد هذه المكافأة؟ كانت تحدد من قبل لجنة خاصة داخل التلفزة وكانت تسند حسب مدّة البرنامج وموعد بثه ونوعيته والكل يعرف أن «الكاشيات» كانت تختم بامضاءات عديدة، رئيس المؤسسة ومدير التلفزة ومدير الأخبار والمنتفع وهذا يعني أني لست ممن يحدد المقدار والوثائق موجودة في المؤسسة ويمكن التثبت من المقدار. لكن لا يمكن أن تنفي أنك شاركت في سهرة 13 جانفي 2011؟ فعلا كانت تلك السهرة آخر المحاولات من التلفزة التونسية لضخ أوكسجين في جسد النظام السابق، وللتاريخ لم أكن على علم بهذا البرنامج، كنت منشغلا بصفتي مسؤولا على التحرير بإعداد النشرة الاخبارية، فطلب مني رئيس المؤسسة عن طريق مدير الاخبار آنذاك المشاركة في تقديم هذا البرنامج، وصور البرنامج تظهر وبوضوح أنني لم أكن جاهزا للتقديم، لا على مستوى الشكل، أي اللباس والمظهر، التسجيل موجود في خزينة التلفزة وحتى على الانترنات، كنت باهتا في التقديم ومجرد ناقل للأحداث، وأكثر من ذلك فوجئت بوجود نقطة خارجية من شارع بورقيبة في آخر لحظة، ترصد ردود أفعال المواطنين التي تبيّن بعد ذلك أنها مفبركة، والأحداث في بقية مناطق الجمهورية على عكس ذلك كانت دامية والمطالب الشعبية تتصاعد، فكانت التلفزة تغرد خارج السرب، وتواصل سياسة التعتيم التي بدأت خاصة منذ أحداث الحوض المنجمي، للأسف كنا مجبرين على العمل بتلك الشاكلة وإلا فإنّ الابعاد والاقصاء والمضايقة ستكون مصيري كموظف عمومي. ألم يكن بامكانك الاستقالة؟ كيف يمكنني الاستقالة وراتبي هو مصدر رزقي، فكل الادارات العمومية وخاصة منها الاعلامية كانت موظفة لخدمة النظام السابق وتنفيذ برامجه في مختلف الاختصاصات، فهل مطلوب من كل هؤلاء الاستقالة، هذا غير منطقي، النظام السابق حكم بالاعلام وبالتلفزة، ووظّف كل الكفاءات واستغلها. هل كان التدخل مباشرا في النشرة؟ نعم وخاصة في نشرة الثامنة، كان التدخل من رئاسة الجمهورية في أدق التفاصيل، فليس مسموحا لنا مثلا ببدء النشرة بخبر غير النشاط الرئاسي الذي كانت تأتينا صوره من القصر ونصه من وكالة تونس افريقيا للأنباء، ولا يمكن لنا تغييره، ثم نقدم نشاط الوزير الأول ثم نشاط التجمع، بينما تركن أنشطة المعارضة داخل النشرة وفي الكثير من الأحيان تأتينا املاءات من رؤساء جمعيات ومنظمات كانت نافذة آنذاك بتمرير أنشطتها حتى ولو كانت غير ذات قيمة. كنت أيضا من ضمن الفريق الاعلامي الذي يصاحب الرئيس السابق؟ هذه المهمة يتم تكليفي بها من قبل رئاسة المؤسسة وحتى الاذن بالمأمورية كان يصلني من الادارة ولا من رئاسة الجمهورية، كذلك منحة المهمة كنت أتحصل عليها من التلفزة ومقدارها 160 دينارا في اليوم، ثم لم أكن وحدي في هذه المهمات، بل معي فريق تلفزي متكامل، وزملاء آخرين من مؤسسات اعلامية أخرى ولم نكن نسافر في طائرة الرئيس، ولم أكن الوحيد من التلفزة الذي يكلف بهذه المهمة، وقد سبقني في ذلك عديد الزملاء، ولو كنت أريد التباهي بهذه المهمات لكنت أظهر في نهاية كل مراسلة ولا أقوم بها صوتا فقط... ثم هل نتهم اليوم من يسافر مع رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة؟! علمنا أنه تم تجريدك من خطتك الوظيفية كرئيس تحرير مساعد، هل هذا صحيح؟ نعم، وهذه مظلمة أخرى تعرضت لها، فرغم أنني تحملت مسؤولية هذه الخطة لمدّة خمس سنوات وكنت أمارسها فعليا، ورغم أن الاتفاقية المشتركة للاعلام والقانون العام للشغل يمنع مثل هذا الاجراء، فإن أول رئيس للمؤسسة بعد الثورة اتخذ هذا القرار الظالم، هذا القرار الاداري لا يمكن اتخاذه إلا في حالة ارتكاب أخطاء أخلاقية ومهنية فادحة وأنا لم أرتكب مثل هذه الأخطاء، بل كان استجابة لضغوط داخلية في المؤسسة. وكيف تصرفت؟ عند اكتشافي لهذا الاجراء تقدمت بشكوى الى الرئيس المدير العام الحالي وأنتظر ردا وأرجو أن تنصفني باعتباره قرار ظالما ولا قانوني. هل ستقدم ملف ترشحك لرئاسة التحرير؟ لن أقدم ملف ترشحي رغم أنني تحملت هذه المسؤولية في السابق ولدي خبرة أعتبرها محترمة رغم الظروف الصعبة التي عملنا فيها في العهد السابق والتضييق على هامش حرية المضامين الاخبارية لكن اليوم الوضع تغير وأصبح إنتاج المضمون الاخباري أكثر حرية والدليل تناول المواضيع التي كانت محظورة في السابق مثل المخدرات والأوضاع في السجون وغيرها والتصرف في ترتيب الاخبار حسب الأهمية والقرب وليس حسب الطلب. ثم إنه ليست لي الثقة الكاملة في أن يتم النظر في ملفي وفق قواعد النزاهة والموضوعية وعلى أساس الكفاءة المهنية. فقد يحسبني البعض على النظام البائد والحال أن كل العاملين بالتلفزة عملوا في عهد هذا النظام وفي هاته الحال يجب إلغاء أكثر من ألف شخص من التلفزة وهذا غير معقول. أصدرت كتابا مشتركا مع كاتب ثاني حول الثورة في جوان الماضي عن دار نشر فرنسية عنوانه «ارحل ارحل» فهل هو رد فعل أم ماذا؟ هذا الكتاب هو في سياق ردود الفعل على ما ألحقه النظام السابق من ضرّر بالتونسيين وأنا واحد منهم وهو في الحقيقة يتضمن فصولا من الثورة التونسية حسب التواريخ والمدن التي جدت بها الأحداث وفي ما يخص مساهمتي فيه فقد تحدثت عن بعض ما عشته مع زملائي داخل قسم الاخبار أيام الثورة من خلال شواهد حية وكيف كان واقع الاعلام التلفزي في العهد السابق وبداية تحرّره بعد الرابع عشر من جانفي. كيف ترى مستقبل التلفزة الوطنية؟ هي فرصة تاريخية الآن من أجل أن نطور التلفزة الوطنية وإنتاجاتها والتي تغيرت بشكل ملموس مقارنة بما مضى وذلك بابتكار أفكار مجدّدة وتقييم الموجود والبناء عليه والتوجه أكثر نحو البرامج التي تغوص في مشاكل المواطن وخاصة منها الاجتماعية وتجنب المزايدات والمصالح الضيقة وهتك الأعراض والتشفي الذي لا طائل منه.