تفاقمت مؤخرا أزمة المياه الملوثة التي تفرزها المنطقة الصناعية بعقارب بشكل لافت بعد أن أصبحت تهدد الأخضر واليابس... وقد أطلق سكان المناطق المجاورة للمنطقة الصناعية بالخصوص مصنعي «الكرذونة» و»الصابون» صيحة فزع وهددوا بغلقهما اذا لم يقع وضع حد لخطورة المياه الآسنة. ذلك أن هذه المياه التي تسربها المصانع في شكل أودية وبحيرات صغيرة أتلفت الزياتين والخضر وكانت سببا مباشرا في نفوق العديد من الأبقار. ولعل المصيبة الأكبر بحسب تعبير السيد طه التريكي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحين بعقارب هو تلوث التربة الصالحة للنشاط الفلاحي وتسمم المائدة المائية وهو ما عاينته «الشروق» في زيارة ميدانية لمناطق «الشريف» و»الدريهات» التي تضررت بشكل مباشر . تهديدات جدية تعتبر منطقة «الشريف» الريفية الفلاحية (7 كلم غربي مدينة عقارب) من أكثر المناطق تضررا جراء المياه الملوثة لمصنعي الصابون و»الكرذونة» بفعل المياه الملوثة والتي تحتوي السموم والمواد الكيميائية القاتلة والتي يتم التخلص منها بتصريفها عبر أنابيب باتجاه مصبات في شكل أحواض أصبحت تشكل بحيرات وتمتد مياهها الآنسة الى غابات الزيتون التي تيبست بفعل البرك الملوثة التي تحاصرها شأنها شأن المزروعات الأخرى مثل الخضر. خطر تلوث المياه لم يكتف بما فوق الأرض من أشجار وخضر بل شمل أيضا التربة التي تضررت وأصبحت بحسب بعض المختصين وأصحاب هذه الأرض جرداء عقيمة غير صالحة للانتاج بفعل المواد الكيميائية والسموم التي تتسرب الى المائدة المائية بالمناطق الفلاحية المجاورة للمصانع .. الفالح ثامر خالد ، صاحب مشروع في تربية الأبقار من أبرز المتضررين من خطر مياه المصانع بعد أن فقد 3 أبقار اثر نفوقها بسبب هذه الكارثة البيئية علاوة على نفوق أغنام ودواجن على ملكه ، أما الشقيقان عبد الرحمان والحبيب الحميدي فقد أجبرهما التلوث على ترك البستان وهجروا الأرض لأنها صارت عقيمة لا أخضر ولا يابس فيها. الوالي يتعهد بالتدخل على إصر الاحتجاجات التي قامت به مختلف أطراف الاتحاد المحلي والاتحاد الجهوي للفلاحين وبعد تهديد المتضررين بالتصعيد انعقدت يوم 13 فيفري المنقضي جلسة بمقر ولاية صفاقس جمع فيه الوالي السيد محمد علي الجندوبي مختلف الأطراف بمن فيهم أصحاب المصانع المسببة للتلوث ومعتمد عقارب وبعض المتضررين وعلى اثر مناقشة ملابسات هذه الكارثة البيئية وعد الوالي بمعاينة المكان لايجاد حل يرضي مختلف الأطراف. من جهته عبر مدير مصنع «الكرذونة» عن تعهد بإيقاف تصريف المياه الملوثة نحو الأراضي المجاورة لمصنعه في أقرب الآجال ولكن والى حد كتابة هذه السطور أعلمنا أهالي المناطق المتضررة أن المياه لا تزال تتسرب الى أراضيهم.. مطالب الأهالي أهمها الانهاء الفوري لكارثة تصريف مياه المصانع مع رصد تعويضات مناسبة للأضرار التي لحقت بهم كما طالب المتضررون بتكليف المصالح الفلاحية المعنية بضرورة تحليل التربة والمياه لتحديد نوعية الأضرار الناجمة عن تسرب المياه الأسنة الى المناطق المحاذية الى المنطقة الصناعية التي تمتد تقريبا بمحاذاة الطريق الوطنية عدد 14 انطلاقا من مركز مدينة عقارب مرورا بقرى الدريهات والشريف الى حدود 8 كلم تقريبا غربي مدينة عقارب. بين مطرقة التشغيل وسندان التلوث وتعتبر مشكلة التلوث بمدينة عقارب مشكلة كبيرة جدا بفعل كثرة المصانع من جهة ووجود المصب الجهوي للفضلات من جهة ثانية وان كانت المصانع توفر لآلاف العائلات من سكان هذه المعتمدية ومن غيرها عديد مواطن الشغل وتحرك الدورة الاقتصادية بهذه المعتمدية والتي لولاها لكانت آلاف العائلات تحت خط الفقر الا أن السكان يعانون الويلات بسبب التلوث الذي ظل لسنوات مشكلا كبيرا مسكوتا عنه ومغيبا بفعل خوف الأهالي من ضياع مواطن الشغل وهروب أصحاب المصانع. لكن مع تفاقم التلوث وتضرر آلاف الفلاحين والمخاطر التي تحدق بالأراضي وغابات الزيتون بدأ ناقوس الخطر يقرع ولابد من معالجة مشاكل النفايات وفضلات المصانع والمياه الملوثة للمصانع بشكل جذري ونهائي ليتمكن أبناء عقارب من ولاية صفاقس من العيش الكريم في رحاب محيط بيئي سليم.