فتحت الأزمة السورية ومن قبلها الأزمة الليبية عيون الشعوب العربية على دور وأداء جديدين للجامعة العربية ولبعض الدول العربية التي أظهرت انحيازا كبيرا للاصلاحات الديمقراطية واستعدادا أكبر للاستقواء بالأجنبي نصرة لهذه الاصلاحات ولو على جماجم عربية.
هذه الأزمات العربية لم تفتح عيون الشعوب على هذه المعطيات فقط... بل انها لفتت الانتباه الى حقيقة أخرى لا تقل عبثية وتتمثل في أن جامعة العرب ومعها هؤلاء الأعراب قد عدّلوا بوصلاتهم على ما يحدث في بعض الدول العربية فقط... أما ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يقترفه الصهاينة من فظاعات في حق الشعب الفلسطيني وفي حق الأرض والمقدسات الفلسطينية، فتلك أمور ينام عنها هؤلاء ويتصرفون وكأنها تقع على كواكب أخرى وفي أزمنة غابرة...
وبالفعل، فإن آلة القتل الصهيونية لم تتوقف في الأيام الأخيرة عن القصف والتقتيل والتدمير.. ومع ذلك فإن الجامعة صامتة لا ترى ولا تسمع شأنها شأن المتحمسين للتدخل العسكري في سوريا والمهرولين وراء تسليح عصابات القتل في سوريا.. فهل أن الجامعة وهؤلاء العرب يوافقون على الجرائم الصهيونية أم أنهم مبهورون أمام ما تمارسه آلة الحرب الصهيونية من «تقتيل ديمقراطي» ومن «تدمير ديمقراطي» لا يستدعي هذا ولا ذاك الشجب والتنديد وقرارات المقاطعة واللجوء الى مجلس الأمن لاستصدار القرارات اللازمة لحماية الشعب الفلسطيني من بطش قوات الاحتلال ومن قبلها لتخليص هذا الشعب الصابر من براثن المحتل الذي يواصل قهر البشر وتدمير الحجر وتغيير ملامح المقدسات وتهويد الارض دون أن تقابل جرائمه ولو بكلمة تنديد من الجامعة الموقرة ومن العرب «الغيورين جدا» على الدماء العربية...
إنها مفارقة عجيبة وأسئلة حائرة تطرحها الشعوب العربية وهي ترى ازدواجية المكاييل حيّة تسعى بشكل يجعلها تصب حمم الجحيم على العرب وتنزل بردا وسلاما على الصهاينة... طبعا مع مراعاة الفوارق الشاسعة جدا بين الاحتلال الصهيوني الغاشم واشكاليات تثيرها وتزرعها أجندا مشبوهة تريد أن تتجسد في المنطقة من خلال زرع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد وشق صفوف الأمة الواحدة.