تقريبا تعد تونس بعد الثورة البلد الأول عالميا الذي يخصص للإصلاح الإداري وزارة من اجل تحقيق اكبر حلم تهفو اليه أفئدة التونسيين وتشرئب رقابهم بعد الثورة. وعسى تنجح المبادرة...بتوفر الشروط !
ولا نشك في حسن نية الوزير المكلف بهذا الإصلاح ولا نشك في رغبة التونسيين انفسهم في الإطاحة بمنظومة الفساد وقطع دابرها لأنها السوس الذي نخر هيكل الدولة والتهم قوت المواطنين وضيع أوقات عمرهم وسفه أحلامهم. ولكن للأمانة فان المواطن يقول انه لم يلمس آثارا للإصلاح الإداري ولا نتائج لعمل الوزارة على أرض الواقع ولا يعلم ما في غيب الوزارة شيئا سوى بعض التصريحات هنا وهناك.
الوزارة بينت موقفها من الإصلاح من خلال «حزم» الوزير محمد عبو في الاقتطاع من مرتب المضربين عن العمل والذي لم يستسغه النقابيون ويعتبرونه ضربا لنضالهم النقابي. وأيضا عبر المراسلات الموجهة الى المؤسسات العمومية تطلب فيها مقترحات لإصلاح الإدارة والتعرف الى الصعوبات التي يواجهها الموظفون والحلول لمعالجتها. وهناك بعض الجهد المحمود لكن يلاحظ غياب العزم المطلوب والالتفاف حول المشروع الإصلاحي وهو ما افقد المشروع اهدافه الى حد الآن في انتظار ما يخالف الملحوظ. ولعله يعود الى عدم استشعار المواطن او الموظف بانه جزء من منظومة الإصلاح يساهم فيها على قدر جهده وعزمه على قاعدة الأثر النبوي «من رأى منكم منكرا فليغيره...».
عندما نستمع الى تصريحات المسؤولين وهم يؤكدون ان الفساد استشرى بعد الثورة بشكل واسع وضرب قطاعات حساسة في الدولة ويشيرون الى القضاء والأمن ويؤكدون على ان القضاء نفسه يحتاج الى إصلاح، فان ذلك يعني اننا ما زلنا في نقطة البداية وفي مستوى «الصفر» وهو العدد الذي قد يسنده منتقدو الحكومة لأدائها. فالفساد متواصل والسرقة والرشوة والصفقات العمومية المشبوهة في بعض المؤسسات والتعامل «تحت الطاولة» والتعيينات الوظيفية المفتقدة للشفافية متواصل بعد «الطرابلسية». ويتندر المواطن بروايات الرشوة في اكثر من مسلك وفي اكثر من باب مؤسسة يطرقه ويجده موصدا فلا يفتح الا بكلمة السر «افتح يا سمسم» التي تكلفه دراهم لم تسترجع اليه من مسروقات «بن علي بابا».
ويغمق السواد في عين المواطن وهو يرى محاكمات أشبه بالمسرحيات. وتزداد قتامة وهو يرى البطالة طوابير في ازدياد ولا يرى إصلاحا في منظومة الانتداب سوى تسريبات عن انتدابات محسوبة. ثم تشتد الحياة ضبابية وهو يستمع الى تصريحات غير مسؤولة من قبل مسؤولين يدعونه الى الشرب من مياه البحر. وكأن المواطن توقف عن تجرع المرارة يوما حتى يذهب إلى بحر ابعد من بحر التهميش الذي يغرق فيه سواء في القيروان او ما شابهها.
وما دمنا نتحدث عن الإصلاح ولا «يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فان تحقيق المراد لا ينال الا بالإرادة. ولا بد من تفعيل آليات المحاسبة والمراقبة والتدخل عند كل إنذار والتحقيق في كل شكوى. وفي القيروان بحت حناجر المطالبين بمحاسبة المفسدين وما اكثر الفساد في عاصمة الأغالبة التي تألم فيها البشر والحجر ولم ير فيها يوما أبيض من جيوب المعطلين وبطون المفقرين الخاوية منذ عقود.