عمل ومعاينات وتفقد ورقابة تقوم بها مصالح وزارة الاصلاح الاداري، غير ان الفساد مستشر والعراقيل كثيرة ومحمد عبو ينتظره عمل شاق يفضي الى تجفيف منابع الفساد ووضع الآليات الكفيلة باستئصاله. تشكلت هيئات رقابية صلب وزارة الاصلاح الاداري، كما تم بعث منشور الى مختلف الوزارات لوضع خطة مكلف بالاصلاح الاداري في كل وزارة وهو نفس الشأن بالنسبة للولايات.
وتعمل المصالح الرقابية للإدارة والوظيفة العمومية بمهمات تفقد لمتابعة حضور الأعوان العموميين الخاضعين للنظام العام للوظيفة العمومية، وتم ذلك في عدد من المؤسسات على غرار مقر رئاسة الجمهورية بقرطاج ومقر رئاسة الحكومة بالقصبة والمعهد الوطني للتراث وديوان السياحة ومقر وزارة الفلاحة، وتفيد المعطيات ان هذه العمليات كشفت تغيب كثير من الموظفين اضافة الى العثور على دفتر حضور بأحد هذه الادارات به امضاءات مدلسة.
وللاصلاح الاداري تعمل الوزارة المعنية على التقليص من التعقيدات الادارية «المسببة لتفشي الفساد» كما يذهب الى ذلك محمد عبو الوزير المكلف بالاصلاح الاداري، عبر الاصلاح في هذه المنظومة.
واصلاح الادارة يعد من الملفات الهامة والمستعجلة في هذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه البلاد، حيث كان الفساد عنوانا للفترة السابقة، تميز بتفشي المحسوبية والرشوة والفساد الذي طال مختلف المجالات وعلى رأسها الادارة العمومية.
كما اتم اصدار المنشور عدد 5 في 26 جانفي 2012 والقاضي بإحكام التصرف الاداري والمالي في أعوان القطاع العام، والذي وجهته وزارة الاصلاح الاداري الى مختلف الوزارات ويقضي بقاعدة «استحقاق المرتب بعد الانجاز الفعلي للعمل».
من جهة أخرى تعمل الوزارة على مراجعة التوقيت الاداري، وينتظر ان يتم الاقرار بنظام ال5 أيام في الاسبوع.
ورغم هذه المجهودات فإن الاصلاح الاداري في المؤسسات العامة «معقد ويتطلب الكثير من العمل» كما يذهب الى ذلك حسين العبعاب المختص في تحسين فاعلية المؤسسة وصاحب مكتب دراسات بتونس وفرنسا في هذا الاختصاص.
أرقام مفزعة
وتفيد الأرقام المتوفرة ان اشكالات قانونية وثقافية ايضا خلافا للتقنية تعرقل مهام الاصلاح الاداري، حيث ان هناك مكبلات كثيرة من شأنها اعاقة الاصلاح الاداري بل يذهب احمد الرحموني رئيس جمعية القضاة سابقا ورئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء ان الاصلاح الاداري يترابط مع تحقيق العدالة الانتقلالية».
وكأمثلة على الارقام المتوفرة، ان عدد الملفات المعروضة على اللجنة الطبية لعطل المرض طويل الأمد سنة 2011 بلغت 9200 ملف منها 43٪ تخص وزارة التربية و33٪ تخص الصحة و24 بالمائة تخص باقي الوزارات والمصالح وكانت عدد الأيام الممنوحة بعنوان هذه العطلة بلغ سنة 2009، مليونا و200 ألف يوم عطل، وبلغت الكلفة المتركبة عن هذه العطلة، في نفس السنة 25.6 مليون دينار، وهو ما يطرح التساؤل حول صحة جميع الملفات وشرعيتها، خاصة ان التونسي مدرك لكون الفساد طال في المؤسسات الصحية، وأن هناك «لبسا» يحيط بعدد من الملفات الصحية.
من جانب آخر تفيد المعطيات المتوفرة أن هناك 2200 موظف متمتع بخدمة السيارة الوظيفية وكان عدد من المواطنين تشكّى من الاستعمال الخاص لهذه السيارات من قبل عدد من المنتفعين بها.
وتؤكد مصالح الوزارة المكلفة باصلاح الإدارة أنها تتابع ملفات استبعاد المسؤولين الفاسدين اضافة إلى بقية مجهودها في اتجاه الاصلاح الذي يتطلب جهدا وعملا دؤوبا خاصة أن تقرير منظمة الشفافية الدولية لسنة 2011 كشف عن تراجع موقع تونس في هذا السلم إلى المرتبة 73 بعد أن كان بالمرتبة 59 سنة 2010 كما رفعت لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة إلى غاية 27 أكتوبر 2011 «2366» ملفا إلى الجهات والمصالح المختصة تتضمن بينها كثيرا من الملفات المتعلقة بالفساد الاداري والمالي بالإدارات العمومية.
اجراءات تقنية
من جهة أخرى يذهب حسين العبعاب المختص في إدارة المؤسسات إلى أن هناك عوائق جمة قد تعترض محاولات الاصلاح الإداري حيث يفيد العبعاب أن هناك «غيابا لثقافة تحمل المسؤولية في المؤسسات العامة» ويضيف العبعاب «إن هناك مشاكل أعمق للإصلاح الإداري منها حصر المسؤوليات وأهداف كل مؤسسة حيث أن هناك خلطا كبيرا بين مهام عدد من المؤسسات العمومية وتجد أحيانا لبسا لدى الادارة في حد ذاتها في تجديد مسؤولياتها ومجال اختصاصها».
ويرى العبعاب أن «النصوص القانونية المنظمة لكل ادارة غير كافية لتحديد مجال مهامها فهي نصوص غير مجعولة لتحديد المسؤوليات والملفات بالتحديد ويشير العبعاب إلى ضرورة ضبط المسؤولية والحدود والميدان».
ويعطي المختص في ادارة المؤسسات مثالا حيا على ذلك «وهو خلط المهام وعديد الملفات بين كل من وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المرأة» وهو مثال على خلفية دراسة أجراها حسين العبعاب بالتعاون مع 5 فرق عمل لتحسين فاعلية أداء وزارة الشؤون الاجتماعية والتي توصلت إلى نتائج تبين نقائص كثيرة في عمل تلك الوزارة.
غياب التشخيص
وفي نفس السياق يعتبر أحمد الرحموني رئيس جمعية القضاة سابقا ورئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء حاليا أنه «لا يمكن الحديث عن اصلاح إداري حقيقي دون وجود تشخيص لواقع الفساد والنقائص» وهو ما«لم يحصل» حسب تعبيره.
ويربط الرحموني ملف الاصلاح الإداري بالعدالة الانتقالية حيث يفيد بأن «معالجة النقائص والفساد يدخل في سياق العدالة الانتقالية نفسها فلا يمكن المعالجة الا عبر الاتفاق حول آليات العدالة الانتقالية».
ويشير الرحموني الى «ان اصلاح المؤسسات السياسية والادارية ليس مسألة فنية وانتهى الأمر» ويضيف : «ان اخضاع اجراءات إعادة الهيكلة وإجراءات التطهير بما يفيده ذلك، العناصر غير الكفأة واستبدالها بعناصر نزيهة مرتبط بموضوع العدالة الانتقالية».
ويلاحظ الرحموني أن هناك حديثا عن تفشي وتنامي الفساد حتى بعد الثورة رغم إحداث الهيئات والمصالح المقاومة لذلك».
الارادة غير كافية
ويفيد عبد الناصر العويني المحامي وعضو مجموعة ال 25 التي عرفت بتولي ملفات «حول الفساد» أن الادارة هي أداة سابقة للفساد، من حيث التركيبة والتنظيم الاداري للسلط المركزية والسلطة العمومية، ويعتبر ان «مسألة الاصلاح الاداري ليست رهينة قرار سياسي بل هي نظير تصور بديل للاصلاح». ويعتبر العويني ان أول الخطوات في الاصلاح الاداري يجب ان تشمل «المضي في لامركزية الادارة واعطاء سلطات كاملة للسلطات الجهوية المنتخبة».
وينتقد العويني «ما تشهده الادارة التي احتضنت الفساد سابقا من فراغ للأكسجين السياسي، لذلك عاد الى السطح منطق الولاءات، على أساس الانتماءات السياسية» وحسب تعبيره ويضيف «هناك أمثلة على ذلك، على غرار حركة الولاة الاخيرة والتي تمت بتسمية ولاة من حركة النهضة الحاكمة وهو قرار مركزي لا يأخذ بعين الاعتبار واقع وخصوصية الجهات المعنية، وأيضا مثال المنشور الصادر عن وزارة الداخلية القاضي بعودة عمل خطة العمدة وتشريكه في عدة مسائل تخص المنطقة الترابية التي هو فيها».
ورغم المحاولات والعمل الدؤوب الذي تقوم به الوزارة المكلفة بالاصلاح الاداري غير أن توفر الارادة وعدم التنسيق بين مختلف المصالح وتراكم فساد الادارة بعد عقود من الحكم الدكتاتوري الفاسد يجعل من كثير من أبناء الادارة التونسية الذين يبلغ عددهم 580 ألفا «فوق حاجيات الادارة العمومية» كما ذهب الى ذلك محمد عبو الوزير المكلف بالاصلاح الاداري.