هي مدينة ضاربة في التاريخ كانت حاضرة قرطاجانية ورومانية وإسلامية كما احتوت على محزون تاريخي ثقافي زاخر... غير أن المتأمل في الوضع الثقافي ل«فاقا» سابقا او باجة اليوم لا يرى أي انعكاس لتاريخ الجهة الزاخر بالتراث. في هذا السياق كان لنا لقاء مع السيد أحمد شوبان المندوب الجهوي للثقافة بباجة ليحدثنا عن وضع الثقافة في المدينة بعد الثورة من حيث الصعوبات والتحديات وايضا المشاريع المستقبلية للقطاع.
سؤالنا الاول تمحور حول المقارنة وتقييم الوضع الثقافي لمدينة باجة قبل الثورة وبعدها وقد أجابنا السيد المندوب بقوله ان قطاع الثقافة همش كسائر القطاعات في البلاد التونسية قبل الثورة حيث كان الحصان الرابح الذي اعتمده النظام السابق لتلميع صورته وتسويقها داخليا وخارجيا كما سعى الي ترويج ثقافة بعينها ودون سواها وهي ثقافة البهرجة والإيهام بالطابع الاحتفالي لتسويق صورة النظام الناجح والبلد الأمن.
كما الفضاءات الثقافية على غرار دور الثقافة والمسارح كانت فى معظمها فضاءات يستغلها التجمع في احتفالاته مما أعطى صورة مشوهة عن الثقافة للمواطن التونسي الذي فقد الثقة وحمل صورة نمطية مفادها أن الثقافة هي حزب للتجمع ونظام بن علي ونعلم أن عددا من دور الثقافة وقع احراقها أيام الثورة على غرار مقر الثقافة بعمدون التي بنيت قرب دار التجمع بالجهة.
على مستوى آخر لا يمكننا أن ننكر ان الوضع بعد الثورة أفضل نسبيا حيث تخلص القطاع من براثن التجمع وأصبح مجال الإبداع حرا ونحن مطالبون اليوم بتحييد الفضاء الثقافي من أي نشاط أو حسابات خارجة عنه ومندوبية الثقافة اليوم مدعوة الى خلق جو مريح وفضاء مريح للجمعيات والمبدعين لدفهم لدعم القطاع هذا مع التأطير والمساندة...
نقص في الفضاءات والمكاتب...
صرح السيد أحمد شوبان أن الحقيقة مفجعة نوعا ما فباجة مدينة بلا مسرح وبلا فضاء سينمائي وبدون فضاء قادر على أستيعاب المهرجانات الصيفية في حين أن عدد دور الثقافة مقدر ب12 دارا وهو عدد غير كاف مقارنة بعدد السكان.
من جهة أخرى تملك مدينة باجة 12 مكتبة عمومية ومكتبتين متجولتين وهو عدد ضئيل نسبيا في ولاية تجاوز عدد سكانها 300 ألف نسمة.
ونذكر أن المكتبة العمومية بباجة قد بعثت منذ تأسيسها كفضاء إقليمي خاص يقوم بنشاطات تتعلق بتسفير وتوزيع الكتاب وهو الفضاء الوحيد في الجمهورية التونسية الذي وقع انشاؤه من لدن مهندس معماري مختص في الفضاءات الثقافية وبالتالي كان مثاله المعماري مخصص مائة بالمائة للنشاط الثقافي وخلافا لما خطط له اقتصر الفضاء على المطالعة وأرشيف الكتاب.
لكن رغم كل هذا ليست الأمور سيئة جدا وهناك مؤشرات تفاؤل بالوضع الثقافي بالجهة حيث تملك باجة مركبا ثقافي يحتوي على تجهيزات وفضاءات كبيرة ومهيأة للأنشطة الإبداعية على غرار قاعة العروض التي تحتضن 700 كرسي والتي شهدت عديد العروض والمناسبات ونحن بصدد تهيئة فضاء القصبة ليكون حاضنا للمهرجان الصيفي لمدينة باجة وذلك بالتعاون مع معهد التراث وهناك مشروع هام آخر يتمثل في تهيئة وصيانة المسرح التاريخي بدقة ليكون دعامة للمهرجان الدولي.
ميزانية ضعيفة..
على مستوى الميزانية المخصصة لقطاع الثقافة بباجة تخصص الوزارة 13 ألف دينار لكل دار من دور الثقافة سنويا و يستأثر المركب الثقافي ب40 ألف دينار وهي فى الحقيقة أرقام مرتفعة نسبية مقارنة بالسنوات الفارطة لكنها تبقى غير كافية نظرا لارتفاع سعر العروض الثقافية من مسرحيات وعروض أفلام سينمائية ونعلم أن ثمن أقل عرض لا يقل على 7 الاف دينار وإذا سلمنا أن من واجب دور الثقافة أن تقوم بأنشطة وعروض خاصة بالأطفال والشباب والشيوخ كما أنها مطالبة بتطوير وسائلها التنشيطية وتنويعها والتزود بوسائل وتجهيزات حديثة تصبح هذه الميزانية ضعيفة نسبيا وفي الحقيقة ستكون الميزانية موضوعا مطروحا بقوة في ندوة مندوبي الثقافة التي ستعقد بالحمامات أيام 28 و29 أفريل الجاري..
نقص الاطار المختص...
قال المندوب ان من مشاكل ومعوقات القطاع هي المحدودية الكبيرة من حيث العنصر البشري وغياب المنشط الثقافي المختص وكل هذا يعود الى القانون الأساسي للعملة والإطارات الناشطين في حقل الثقافة والذي من خلاله يتحصل هؤلاء على أجور زهيدة مقارنة بإطارات وزارة الشباب والرياضة وبالتالي يخير خريجو المعهد العالي للتنشيط الشبابي الالتحاق بوزارة الشباب والعمل كمنشطين في فضاءاتها عوضا عن العمل في منظومة وزارة الثقافة ومع تنامي هذه الظاهرة فقد المنشط المختص مما أثر على مستوى وجودة خدمات الثقافة وبالتالي كلنا مدعوون الى مراجعة القانون الأساسي المنظم لقطاع الثقافة.
مخزون تاريخي غير مستغل
قطاع الثقافة حاد فى الفترات الاخيرة عن دوره الحقيقي وهنا صرح السيد أحمد أن الوزارة والمندوبية الجهوية تعمل على ارجاع الأمور الى نصابها والى بناء ثقافة مواكبة للحظة التاريخية التي تعيشها البلاد بعد الثورة, وفي هذا السياق قال السيد المندوب ان النية متجهة لجعل الثقافة مواكبة لمزاج الشارع والمتلقي والمواطن عموما أن تركز على منتوج ونشاط يكون مواكبا لانتظارات التونسي بعد الثورة.
من جهة أخرى هناك استراتيجية تجعل من دور الثقافة فضاءات مفتوحة على المتقبل وورشات للحوار الاجتماعي بين قوى المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات.على مستوى البنية التحتية هناك مطالبة بالإسراع في اتمام تهيئة فضاء القصبة وفضاء دقة اضافة الى فضاءات تاريخية أخرى والتي يقع تدارس وضعها في شهر التراث الذي ينطلق يوم 18 أفريل على غرار زاوية الخضارين وباب علي.
كما دعا السيد أحمد شوبان ضرورة التفكير في بعث متحف جهوى يجمع المنتوجات الثقافية والتراثية لولاية باجة ويواكب خصوصية الجهة.