بات في شبه المؤكد وجود اقتناع بضرورة ادخال تعديل على التركيبة الحكومة الحالية بعد تتالى التقييمات السلبية لأداء عديد الوزراء الذين فشلوا فشلا ذريعا في إدارة ملفاتهم . المعارضة تتهم الحكومة بالفشل والحقيقة ان الأسابيع الماضية أكدت ان حكومة الجبالي ليست حكومة كلّها فاشلة وانما حكومة تضم وزراء فاشلين أو عاجزين عن إدارة ملفاتهم ، حكومة ورثت حقلا من الألغام في عدد من القطاعات من الحكومة السابقة ومن النظام السابق. تركة حكومة السبسي ثقيلة دون شك والدور الخفي لبعض الأطراف السياسية لإفشال الحكومة ثابت وموثق وأكيد دون ان نسقط في فخ الحديث عن مؤامرة تبدو أثارتها في الأسابيع المنقضية دليلا على وجود أصابع خفية تعمل على جر الترويكا الى المهاترات لإفقادها المصداقية امام الشعب ناهيك عن أنّ الأطراف الّتي تتحرّك اليوم تحت العديد من المسميات أو التسميات تكاد تكون على قناعة بأنّ أملها المتبقي للحفاظ على بعض الحظوظ في المواعيد الانتخابيّة القادمة إنّما يكمنُ في انهاك قوى الخصم الأبرز – أي ترويكا الحكم وتحديدا حركة النهضة وإعداد العدّة لمواجهتها وهو منهار وفي صورة الطرف الفاشل في تنفيذ برامجه ووعوده الانتخابيّة والفاشل أيضا في إدارة مؤسسات الحكم. ولكن على الرغم من ذلك فإنّ مسؤولية الحكومة ثابتة ايضا .ضعف فادح لبعض الوزراء . تضخم عددي للحكومة افقدها التجانس والنجاعة. ونقص في الخبرة في التنسيق للوصول الى القرار المناسب . وتشير الدلائل الى ان الحلقة الاضعف هنا هي الفريق العامل مع رئيس الحكومة والذي لم ينجح كثيرا في فرض شخصيته لإدارة الامور بطريقة سلسة ومؤثرة وهو شيء منتظر بحكم انتقال مركز الثقل السياسي والاداري لأول مرة منذ اعلان الجمهورية من قصر الرئاسة الى قصر الحكومة . والاستنتاج الأبرز المطروح في هذا الباب أنّ حكومة السيّد حمادي الجبالي ، والمُحاطة بكمّ هائل من المحاذير والمخاطر خاصة منها المتّصلة بمعادلة النظام والحرية ، كان بإمكانها أن تحوز أداء أفضل ممّا هو واقع الآن عبر تعميق الحوار مع سائر الطيف السياسي وتجنّب الصدامات التي تدفعها إليها المعارضة «داخل ملعبها»، وليس أدلّ على ذلك من قدرة بعض الوزراء على التحكّم والإدارة الجيّدة للعديد من الملفات وسير أعمالهم بشكل طبيعي أو يكاد على غرار النقل والصحة والشؤون الاجتماعيّة والتنمية الجهويّة والاستثمار الخارجي والاصلاح الإداري. سيناريوهات عديدة للتعديل المنتظر يضع المتابعون للشأن الحكومي عدّة فرضيات وسيناريوهات لتعديل وزاري ممكن يتفاعل مع الواقع الموجود ويهدف إلى دعم النجاعة والسرعة في معالجة الملفات ، من بين هذه الفرضيات أو السيناريهات: السيناريو الاول: وهو مستبعد –بحسب رأي جلّ المراقبين- وهو ان يبقى الحال كما هو ويؤجل الجبالي التعديل الى وقت لاحق ليعطي فرصة للوزراء ضعاف المردودية لتدارك أمورهم بعد المصادقة على القانون التكميلي. هذا الخيار سيضعف الحكومة اكثر وسيكرس القناعة لدى بعض الأطراف بانها حكومة مكافآت وولاءات ومحاصصة حزبية وليست حكومة كفاءات قادرة على خدمة البلاد. السيناريو الثاني: اجراء تعديل سياسي بتطعيم الحكومة ببعض الوجوه السياسية او المستقلة من خارج الترويكا لتوسيع دائرة المتضامنين معها وسحب البساط من تحت أقدام القوى التي دخلت في مواجهة انتخابية مبكرة هدفها إسقاط الحكومة لإضعاف النهضة في الانتخابات القادمة. من الاسماء التي يمكن ان تلعب دورا هنا نذكر البوصيري بوعبدلي والمنصف بن عبد الجليل وقيس سعيد وكمال العيادي ... والسؤال المطروح هل من الممكن ان تنفتح الحكومة على بعض المسؤولين السابقين الذين اثبتوا كفاءتهم ولم يسجل في شانهم اي مطعن قانوني او شبهة فساد مثل محمد رشيد كشيش ومحمد رضا شلغوم ورضا بن مصباح وسليم التلاتلي سواء في الفريق الحكومي او في الفريق الاستشاري لرئيس الحكومة. السيناريو الثالث: هو اجراء تعديل كبير في الاسماء وفي الحقائب أيضاً. وهنا يمكن الحديث عن ضم وزارتي الشؤون الاجتماعية والتشغيل والتكوين. وكذلك وزارتي التنمية الجهوية والاستثمار والتعاون الدولي باعتبار الترابط الوثيق بين الاستثمار والتنمية في الجهات الداخلية بالخصوص. في خصوص الاسماء المرشحة لمغادرة الفريق نذكر محمد لمين الشخاري وزير الصناعة والتجارة والبشير الزعفوري الوزير المعتمد المكلف بالتجارة وعبد الوهاب معطر وزير التشغيل ومحمد سلمان وزير التجهيز وحسين الديماسي وزير المالية والمنصف بن سالم وزير التعليم العالي. أيضاً الفريق العامل مع رئيس الحكومة يمكن ان يشهد اعادة ترتيب في ضوء التساؤلات عن الإضافة التي حققها وجود أسماء منها ابو يعرب المرزوقي وعبد الرزاق الكيلاني ونجم الدين الحمروني وبعض المتمتعين بامتيازات كاتب دولة مثل احمد زروق رئيس هيئة الموظفين التي أحدثت في ظروف «معروفة» في العهد السابق بعد انتقال وزير الوظيفة العمومية وقتها زهير المظفر الى وزارة املاك الدولة . اسماء اخرى يمكن ان تلعب دورا كبيرا في المرحلة القادمة مثل رياض بالطيب وزير الاستثمار والتعاون الدولي وجمال الدين الغربي وزير التنمية الجهوية وأسماء عديدة يصعب الحسم في نجاحها او فشلها في مهامها الى حد الان مثل محمد بن سالم وزير الفلاحة ورضا السعيدي الوزير المكلف بالملفات الاقتصادية لدى رئيس الحكومة وسهام بادي وزيرة المرأة وعبد اللطيف بن عبيد وزير التربية وسعيد المشيشي كاتب الدولة لدى وزير الداخلية . طبعا هناك إجماع على ان عديد الوزراء شقوا طريقهم بثبات نحو النجاح مثل علي لعريض وزير الداخلية ونور الدين البحيري وزير العدل، وكذلك عبد الكريم الهاروني وزير النقل وعبد اللطيف المكي وزير الصحة وخليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية ومهدي المبروك وزير الثقافة رغم زلات لسانه العديدة ، والملاحظة تسري على كل من سمير ديلو الناطق الرسمي للحكومة ووزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية ولطفي زيتون المستشار السياسي لرئيس الحكومة . وفي كلّ الحالات أمام السيّد حمادي الجبالي رهان وحيد اليوم، لا علاقة له بالتشكيك في شرعية حكومته ولا نفي ما حقّقته في العديد من القطاعات برغم الظرف الصعب والتركة الثقيلة وتعدّد «ضربات المعارضة» والمناوئين ، بل هو رهان شجاع مرتبط بحكمة البحث الضروري واللازم والسريع عن النجاعة الأفضل والمردوديّة الأحسن...فعندها فقط ووفق تلك المقاربة وما فيها من انتظارات يكاد يكون أمر التعديل الوزاري بمثابة النفس الجديد للعمل الحكومي، نفس يرسم ملامح مرحلة جديدة لسلطة تقبل التعديل والتنازل وترفضُ التعنّت والإصرار، والمثال الأنجع هو العدول عن قرار منع التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة والذي عكس القدرة على التعاطي الإيجابي وشجاعة «التعديل» والرجوع عن الموقف.