في مثل هذا اليوم من سنة 1988 ولما كان عمر انتفاضة الحجارة في فلسطين لا يتجاوز الأشهر، امتدت يد الغدر... الصهيونية الى المناضل الميداني ومهندس الانتفاضة الاولى بفلسطين، خليل الوزير «أبو جهاد»... كان بمركز القيادة بتونس، حيث استقرّت كل هياكل منظمة التحرير الفلسطينيةبتونس منذ 1982.
لم يهدأ للرجّل بال، حيث تضافرت أيادي الغدر الصهيونية والامبريالية، بإعانة عربية رجعية، من أجل تصفية القضية الفلسطينية. «أبو جهاد» كما عرفه كل من اقترب منه، هو رجل ميداني بامتياز... ثأره لدى الصهاينة، يعود الى زمن النكبة، وقبلها الى ثورة القسّام... كان يعلم أن الحديث عن السلام في المنطقة هو مناورة.. وبالتالي تجده على قناعة تامّة بأن أية محاولات في هذا الباب، سواء صدرت عن واشنطن عرّاب تأبيد الوجود الصهيوني الاستعماري أو جاء عن طريق الأممالمتحدة، صاحبة الفضل في اسداء شهادة ميلاد للكيان الصهيوني، أو أن الامر صادر عن النظام الرسمي العربي، كانت قناعته إذن أن كل هذه الدوائر تلتقي حول تصفية القضية الفلسطينية، وتشريد شعب فلسطين... «أبو جهاد» تحوّل الى رمز... وتحوّل الى «رأس» مطلوب من «الموساد» قبل غيره... فهو الذي آمن بأن كل البلاد العربية هي حدود لفلسطين المحتلّة... وحين حطّت الباخرة المقلّة للقيادة الفلسطينية القادمة قسرا من بيروت في 1982، قال «أبو جهاد» ما يشبه هذا المعنى: كل قلوب العرب جنسيّتي... أحبّت الانظمة أم كرهت... كان طوقه الشعبي من فلسطين الى البحرين نحو مرّاكش مرورا بكل بلدان المشرق العربي، يشد على يديه، ويدعو له بالنجاح في مهامه الصعبة: «أبو جهاد» يقود الانتفاضة من تونس... بدت انتفاضة 8 ديسمبر 1987، في فلسطين كما الأهزوجة... كما المهرجان التراجيدي على الطريقة اليونانية. شعب فلسطين الذي خذله السلاح العربي، وجرّده المجتمع الدولي المنافق أبدا، من أهمّ سلاح بين يديه: الكفاح المسلّح... وجد نفسه أمام جلاّديه الذين ترسو السفن على الشواطئ التي يحتلّونها، وهي معبّأة بأعتى الأسلحة وأكثرها تطوّرا... والخارجة لتوّها من مصانع السلاح في العالم الغربي المتآمر على فلسطين والأمة، وجد هذا الشعب نفسه أعزل الا من حجارة «كريمة» صنع بها معجزة عبر العالم... أصبح الرأي العام العالمي نصيرا وصديقا للقضية... فشجّع ذلك «أبو جهاد» على التعويل على الذات الفلسطينية... فلم يغفر له الصهاينة «كمّ» الأذى الذي حصل لهم ككيان غاصب ومحتل، من هذه الفضيحة التي بدأت تغزو وسائل الاعلام الغربية... وسائل إعلام، بدت الى حدود سنة 1987، معادية لقضية انسانية عادلة، لأنها استبطنت الخطاب الاستعماري الامبريالي، والمصوّر للفدائي الفلسطيني بأنه ارهابي... زاوج «أبو جهاد» بين تطوّر الصورة وسبل الانتفاضة المدنية، حين جعل من الطفل الفلسطيني الحامل لحجارة. يواجه دبّابة اسرائيلية. جعل «أبو جهاد» العالم، يستفيق على الكذبة الصهيونية الكبرى، فضجر الجلادون وطاردوه الى تونس، ليسكنوا في جسده العفيف سبعين رصاصة، في بيته هنا، بضاحية «سيدي بوسعيد»... وتعطّل مجلس الأمن الدولي عن الحركة أمام الجريمة. وسكت المجتمع الدولي عن الكلام... الحقّ... وواصل العرب سياسة غضّ الطرف عن محاسبة الجريمة الاستعمارية. بعد أربع وعشرين سنة نستذكر «أبو جهاد» الحليم... والمناضل والمثقّف.... والمصرّ على الجهاد... من أجل الحريّة لفلسطين... ذلك أن حريّة فلسطين، هي بالضرورة تحرّر لكل الأمّة... التي أردتها الخيانة والعمالة... في واد سحيق اسمه: الاستعمار الاستيطاني... استعمار للأرض... وللفكر... والعقل.