تتبع معتمدية العلا ولاية القيروان وهذا يعني أنها جزء من حضارة عريقة ومقوّمات طبيعية مترامية وزاد بشري ويعني أيضا أنها جزء من حلم التنمية والتطلع الى الأفضل والتخلص من قيود ماضي التهميش؟
وما حصل في معتمدية العلا مؤخرا من احتجاجات شعبية وما رفع فيها من شعارات يجب ان يكون إشارة قوية للفت انتباه الجهات المعنية الى ما يمكن ان يؤدي اليه التهميش والنسيان وتواصل الحرمان من المرافق الأساسية. فقد تجددت الاحتجاجات في مدينة العلا وحضر عدد كبير من المواطنين من مختلف المناطق الريفية محملين بمطالب وأحلام.
بعضهم يشكو من غياب ماء يصلح للشرب وانقطاع ما اضطروا لشربه وبعضهم يطالب بتهيئة المسالك الفلاحية التي سبب سوء أحوالها في متاعب وتعطيلات لهم. وآخرون يطالبون بحق الجهة في التنمية «الانتقالية» وتوفير مواطن شغل في منطقة ثرية بطبيعتها وبمواردها البشرية لكنها تفتقر الى مؤسسات مشغلة والى مؤسسات عمومية تقدم الخدمات المطلوبة وتجسر الهوة الإدارية التي سببتها المركزية الادارية والتبعية الى مراكز إدارية أخرى في المعتمديات مقابل عدد كبير من المعطلين عن العمل والحالات الاجتماعية الصعبة. وتفتقر الى بنية تحتية محترمة والى لمسات كبيرة وبرامج طموحة.
متساكنو منطقة «الوسالتية» التابعة لمنطقة طرزة الشمالية بالعلا تجمعوا مؤخرا أمام مقر ولاية القيروان مطالبين بتعبيد المسلك الفلاحي الذي يتسبب في عزلهم عن العالم الخارجي عند نزول الأمطار ويعطل حياتهم . وتحدثوا عن متاعب كثيرة تعترضهم جراء ذلك من حالات غرق وحالات وفيات. مؤكدين ان مطلبهم الوحيد رغم كثرة النقائص هو الطريق.
ويأتي ذلك بعد يوم من اندلاع احتجاجات ضخمة صدحت بها حناجر المواطنين من سكان «الكشاردية» وعديد المناطق الريفية الأخرى مثل سكان طرزة الشمالية والمساعيد والنقاز وغيرهم من المناطق الريفية تعبوا من انقطاع مياه الشرب ومن اللهث خلف قطرات الماء. وقالوا إن مياه الشرب منقطعة عنهم منذ اشهر وأنهم يلتجئون الى شرب مياه ملوثة وغير صالحة للشرب يجلبونها من أماكن بعيدة. وطالبوا بإيجاد حلول عاجلة بل ان بعضهم هتف بتمجيد النظام السابق على سبيل الاحتجاج واعتبره المتابعون تعبيرا عن حالة اليأس بعد عام ونصف تقريبا منذ الثورة والحلم بتغير الواقع نحو الأفضل.
في معتمدية العلا الزيتون الروماني ضارب في القدم تحيط به زهور أشجار اللوز في هذه الفترة الربيعية. وفي العلا حقول ممتدة وجنات وعيون ولكن الزرع والضرع تشتاق الى الماء. وفي العلا شباب يتوق الى العدل والمساواة محملا بالأحلام والطموحات يرسمها فوق شهائده وفوق وثائق المعاناة.
وعندما يجمع المواطنون على الغضب والاحتجاج فإن لهم ما يبرر شعورهم بالغبن وهم ينتظرون تفعيل مشاريع التنمية وتحقيق الوعود التي وعدت بها الحكومة وتنتظر من المعارضة ان تكون صوتهم الحقيقي في مناقشة قضايا التنمية بعيدا عن جدل النخبة أمام كاميروات الإعلام.
الشعب يريد «شغل حرية كرامة وطنية» وأبناء العلا يريدون أن يكونوا جزءا من هذا الشعار المرفوع الذي يريدون ان لا يبقى مجرد شعار يرفع في شوارع المسيرات وينسى في الأجندات الحقيقية. والمواطن في العلا لا يريد أن يكون جزءا من أية مؤامرة يحيكها طرف ضد أي طرف وإنما يريد مصلحة الوطن العليا.
ويعجب المتابع من شدة تعلق أبناء العلا بجهتهم وفخرهم بهذا الانتماء (العلوي) ويزيدهم ذلك شرفا. والمطلوب استثمار هذا الاعتداد بالنفس في البناء والتنمية ويحتاج الى من يساعده على استثمار مقوّمات الثراء من أجل النهوض بالجهة ويأملون أن لا تسرق أحلامهم وأن يكونوا جزءا من هذا الحل لا غير.