يمتدّ هذا الكتاب على مدى حوالي 500 صفحة وستة فصول تناول فيها الكاتب الثورة التونسية من مختلف أبعادها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، ونزّل ضمنها الحدث منازله التاريخية ووفىّ أمداها البعيدة والقريبة حقّها في تسريع الخطى نحو الثورة وصنع لهب التمرّد ورسم خارطته،
كما أصّل عبرها الثورة التونسية في سياقاتها المحلية والاقليمية والدولية مستعرضا مختلف يوميات الثورة وحيثياتها وردود الفعل والمواقف التي رافقت تلك الثورة /الحدث. وبالرغم من ان الكتاب عن الثورة التونسية، فان الدكتور العربي عزمي بشارة لم يتمكن من النظر للثورة التونسية في بعدها المحلّي بقدر ما نسج لها خيوط وصل جعلت من الكتاب يدرس بامتياز كبير ظاهرة الثورات العربية والانتفاضات العربية. وقد حاول الكتاب تفكيك بنية الاستبداد السياسي العربي الذي استحكمت حلقاته في العقود الاخيرة بصيغ متعددة، ولئن تباينت صوره من قطر عربي الى آخر، فقد تعرّى مضمونه الموحّد بفضل ثورة تونس. ولئن اثبت مسار تواتر الثورات العربية وجود فوارق في بنى المجتمعات العربية، الاّ أنّه اثبت كذلك وجود مشترك عربي يسهّل مرور رسائل التأثر والتأثير،كما يثبت وجود حالة وجدانية عربية تدفع الى التعاطف والتضامن والمحاكاة. وقد ألهمت تونس الدولة العربية الصغيرة حجما ومساحة والواقعة في قلب المغرب العربي مصر وأثرت فيها فعلّمت الشقيقة الصغرى الشقيقة الكبرى، وأضحت على حد عبارة الكاتب تونس قرة عين المشرق العربي وقبلته، وذلك من حيث أن تلك الاقطار العربية التي تحركت فيما بعد كانت بدورها تتميز بحضور «القابلية للثورة» .
لقد استطاع الكاتب عبر قراءته المتعددة المداخل للثورة التونسية تجاوز المنطق المجزأ لفهمها وتفسيرها، ليجعل منها حالة ثورية تقاطعت محفزاتها وعواملها، ونضجت أسبابها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واستوت، فتهيأت تاريخيا لصناعة الحدث. واستنفر المفكر عزمي بشارة في تلك القراءة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحديث لتونس ليجتهد في تتبع خيوط نسج العوامل البعيدة والقريبة لحدث انطلاق شرارة الثورة التونسية واستمرار أحداثها.
فرغ المؤلف من كتاب «الثورة التونسية المجيدة» عشية الانتخابات التونسية، وحاول رغم ذلك استشراف مستقبل المرحلة، وعما يمكن ان تجود به تطورات ثورة تونس وتقدمها في الزمن من مستجدات ومنجزات. وتطرّق الكاتب لبعض اوجه الاستقطاب السياسي التي برزت في تونس ورأى فيها ظواهر سليمة وضرورية لعملية التحوّل الديمقراطي، وليس لها أن تهدّد بأي حال من الاحوال وحدة تونس، لان تونس برأيه جسد مدني متمايز الأعضاء ولكنه مكتمل النمو.