من كان يتصوّر أن يصل فرانسوا هولاند يوما الى رئاسة فرنسا؟ لا أحد طبعا. ربما هو نفسه لم يكن يتصوّر ذلك. لما غادر سنة 2009 مسؤولياته على رأس الحزب الاشتراكي الفرنسي كان فرنسوا هولاند رجلا متعبا أنهكته احدى عشرة سنة من «الانتظار» في كرسي الكتابة العامة للحزب. تولّى عنه جلّ أصدقائه وانفصلت عنه أم أبنائه الأربعة سيغولان رويال. وجد نفسه وحيدا وفهم أن عليه أن يبدأ رحلة «قطع الصحراء» وأن يتغير حتى يكون جديرا بالحلم الأكبر. حلم الرئاسة.
ولما عاد من صحرائه منذ ثلاث سنوات كان فرنسوا هولاند رجلا جديدا قلبا وقالبا. تخلّص من بدانته أولا وغيّر ألوان بدلاته نحو أزرق حالم ثم شدّد لهجة خطابه بعد أن تموقع في يسار اليسار حيث يمكنه أن يرفع صوته للنداء بالعدالة الاجتماعية والدفاع عن الضعفاء والتأكيد على المساواة والوحدة الوطنية وهي كلها قيم تغافلت عنها رئاسة منافسه ساركوزي اليمينية التي ساهمت الأزمة العالمية الخانقة في جعلها الرئاسة الأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الخامسة الفرنسية أي منذ أربع وخمسين سنة.
وشاء القدر أن يبتعد عن طريق هولاند رفيق دربه «ستروس كان» الذي كان يُعدّ المرشح الاشتراكي الأوفر حظّا للوصول الى قصر الايليزي قبل أن تنفجر فضائحه الاخلاقية في أمريكا وفرنسا. وانطلق هولاند بعد أن اختاره الاشتراكيون مرشحهم للرئاسة في حملته الانتخابية الطويلة ونجح حيث لم يكن ينتظره أحد في جعل الحملة محاكمة طويلة لسياسة وسيرة الرئيس المتخلّي نيكولا ساركوزي وأشعلها ثورة فكرية على اختيارات اليمين لا في فرنسا فحسب بل في أوروبا كلها، تلك الاختيارات التي فضّلت التقشّف والسلامة المالية على الاستثمار ودفع النمو والرفع من الطاقة الشرائية للمواطن ورفضت أن تتسلح بالشجاعة التي تمكنها من تغيير القواعد والوجهة.
واكتشف الفرنسيون في فرنسوا هولاند رجلا جديدا ذكّرهم بالرئيس ميتيران أول رئيس اشتراكي في تاريخ الجمهورية الخامسة. وأصبح الحلم ممكنا. حلم التغيير الذي يعيد الى فرنسا دورها الريادي في أوروبا وفي العالم فيصبح أمل الحريّة والمساواة والأخوة أكبر وأقرب ويصبح مشروع بناء المجتمع الاشتراكي ممكنا تسوسه القيم الانسانية ويكون فيه الحاكم قريبا من المحكوم.
كان فرانسوا هولاند رجلا عاديا كما كان يصفه أصدقاؤه وكما «عيّره» بذلك منافسه ساركوزي. لكنه صار اليوم رئيسا. الرئيس السابع في تاريخ الجمهورية الخامسة. وصار الحكم حقيقة.