لقد كبت الانسان التونسي طيلة عقود مضت وأرغم على السكوت، ولم يتح له أي مجال للتعبير عن كل ما يدور في داخله من تساؤلات تخص بلده وشعبه. لقد مارس اللانظام ضده كل الأساليب البشعة لكي يتحول من إنسان متسائل يشير الى الشبهات الى فرد مسير يقبل بمجريات الأمور المفروضة من قبل حزب شوفيني واحد. اختياره للسكوت ناتج عن عملية الدفاع الذاتي للاستمرار بالحياة ولم يكن اختياره رغبة ذاتية ليكون بصف الظلم.
الكم الهائل من الأمور التي لم ينطق بها باتت حملا ثقيلا في نفسية الفرد التونسية المتحرر حديثا تحرقه وتعذبه ليلا نهارا.
حتى في الأحلام لم تكن له حرية اختياره كيف يحلم وأي الألوان باستطاعته التعامل معها. التراكمات القسرية ولدت لدى المجتمع التونسي تخوفات وفوبيا متنوعة ليس من السهل افرازها او تعيين أخطارها. فيمكن القول بأن الحالات السيكولوجية المتفاخمة عند التونسيين التي تغذوا بها قسرا بأفكار عنصرية مقيتة خلقت لدى البعض الكثير، حالة عدم الاطمئنان لأي مجموعة او حزب يريد ان يعمل ويقدم خدمة للوطن والشعب. وقد تتحول هذه الحالة الى خوف شديد وبالتالي يوحي الى العداء المفتعل. سيكون من الصعب استبدال كل تلك المخاوف وارجاع حالتها المستعصية الى ايجابيات تخدم المصلحة العامة بسهولة. الكثير من التونسيين الذين غسلت أدمغتهم لخدمة الحزب الواحد والفرد المتغطرس منشغلون في صراع داخلي منفعل وقد تكون لدى الأغلبية حالة وهم الاضطهاد او جنون الاضطهاد وهو عرض من أعراض الاضطراب النفسي او نزعة نحو الاضطراب النفسي يفسر فيه الفرد عدم نجاحه او احباطه، وفي الحالات القاسية مشاعره غير السارة، بتآمر الآخرين عليه وعملهم ضده Persecution Delusion.
لو أردنا تصور حالة معينة أرغم عليها الانسان التونسي والبحث في ثنايا تلك العملية القسرية وآثارها النفسية في تدمير طبيعة الإنسان وتحويله من فرد متسائل الى شخص جردت منه طبيعته المتسائلة ليكون مجرد إنسان حذر حتى من أقرب الناس اليه. ولكننا بحاجة الى شرح طويل عن هذه الحالة المعينة، ولا يمكننا حصر الموضوع في سطور قليلة. لكن من أجل إثارة بعض جوانب الموضوع بعموميات نشير لتلك الحالة عسى أن يهتم بها بعض المختصين.
لقد أثار ألا نظام الرعب بين أفراد العائلة الواحدة وهناك حوادث عديدة يتذكرها الكثير من أبناء هذا الوطن العزيز بأنه تمّ زرع الخوف وعدم النطق حتى في البيت وأمام أفراد العائلة.
كيف علينا إعادة ا لبناء، وماهي الاستعدادات التي يجب أن تكون بحوزة من يريد استعداد طبيعة الانسان التونسي لحالته الطبيعية من أجل الاعمار والعيش بسلام؟ العمل المستقبلي بعد التغيير لا يعتمد فقط على تغيير الحالة السياسية وإعادة بناء البنية التحتية.
الشروع بعملية البناء شاق ومتنوع الاتجاهات، فالمسؤولية تقع على عاتق كل فرد تونسي متحرّر من الكبت والحرمان، الانسان التونسي المتواجد خارج الوطن والذي حالفه الحظ الكبير بأن يكون طليقا يتلقى المعلومات ويتعرف على طريقة العيش الحر لكثير من شعوب العالم أن يقدم ما لديه من خبرات في جميع المجالات لوطنه وشعبه بعد التغيير.
علينا أن لا ندع الأجنبي يتحكم بكل أمورنا ونسير مرة أخرى كما يشتهيه الدخلاء. علينا أن نقدم ما لدينا لكل الذين حرموا من استنشاق الهواء الصافي والنقي... هواء الحرية. علينا إعادة طبيعة الانسان الى حالتها. علينا تنبيه كل المنتفعين بأن وقت استغلال الشعوب انتهى، وأن تونس المستقبل هي تونس الشعب المتحرّر الذي يريد الرقي والعيش بسلام ووئام مع الآخرين على أساس التطور والاحترام المتبادل، من خلال اعطاء الشعب حريته في انتخاب الأسلوب السياسي الديمقراطي الذي يليق به ويتجاوب مع حضارته وثقافته ويخدم كل أطيافه، فسيكون الشعب التونسي مقدرا كل تلك الجهود ولا يتناساها أو يجحف حق الذين ساهموا في إعادة الحرية الى الانسان التونسي وإطلاق سراحه. لكن إذا أراد من تسول له نفسه من متآمر ومن له نوايا جشعة رمي الشعب التونسي ومقدراته في أحضان الغير عندها يقف المخلصون من أبناء الوطن بكل حزم وقوة أمامهم لفضحهم على الملإ... ولن يغفر لهم التاريخ أبدا.
الشعب التونسي سينهض بعد التغيير لكي لا يسقط أبدا، ولن يكون لقمة سائغة للطامعين، حتى وإن كانوا من أبناء الوطن. وليس من حق أي كان أن يأخذ قنطارا أو أقل من حقوق الشعب لأنه أدى عملا يريد به خدمة الوطن والشعب. ليس هناك تفضيل تونسي على آخر مهما كانت مهمته أو دوره. لا يحق لنا التشدق بما قدمناه لكي نحصل على امتيازات معينة وخاصة. وليس لطائفة فضل على أخرى... ولا لحزب على آخر... أو مذهب معين يحصل على درجات تفضيلية لدوره التاريخي... من قدم الكثير أو الأكثر فقد قدم للوطن. ومن أراد الاستغلال على أساس ما قدمه فإنه يمن على الوطن والشعب بأعمالهم فلا خير فيما قدموه.
سيبقى في الشعب التونسي من يقدمون دون مقابل ولا ينتظرون جزاءً ولا شكورا، وسيبقون شوكة في أعين كل من تسول له نفسه استغلال مقدرات الشعب مهما قل أو كثر. وسيبقى هؤلاء أداة توعية لكل صغيرة وكبيرة وإلى ما شاء الله.. حتى تتحقق كل أحلام الإنسان التونسي في الرقي والتطور لكي يكون بمستوى الشعوب الراقية من النواحي التقنية والعلمية والثقافية مع الحفاظ لكل طيف على حضارته وخصوصياته والتعبير عن ذواته وأصالته. وليس من حق جهة دون أخرى استغلال وسائل الاعلام لصالحها، لتكن بداية طيبة ونزيهة منذ اللحظات الأولى وعليه يتوجب تدوين كل حالة غير طبيعية ومساءلة الجهة المستغلة مهما كان اتجاهها أو عنوانها.