سيدات يتعرضن للمضايقات في وسائل النقل العمومية عند توجههن إلى العمل من طرف «سلفيين»، ورجال يضايقهم البعض في صلاة الفجر عند اتجاههم للصلاة بسبب عدم انسياب لحيهم... وفتاوى جديدة تحرم «الزقوقو» والاحتفال بالمولد النبوي... عنف يتولد في المجتمع باسم ممارسة البعض للدين... وتيار يدعو الى أشكال تقليدية من الحياة ويحلل الزواج العرفي ويشرع له... ومفتون جدد ينصبون أنفسهم ناطقين باسم الدين... ويروجون لأشكال من السلوكيات واللباس...
«الشروق» حاولت تبين أسباب عودة العنف و«الفوضى» في دولة مدنية... ومحاولات زرع أفكار تقليدية بتعلات دينية قد تخطئ أو تصيب حسب أهل الذكر وكثرة العارفين والمفتين باسم الدين...
بداية الجولة كانت بين التونسيين حيث عبر البعض عن استغرابهم من مظاهر العنف وادعاء ممارسيه من المصلحين الذين نصبوا أنفسهم لممارسة دور السلطة، أو للحكم على الآخرين من خلال طريقة تفكيرهم الخاصة.
واعتبر محمد صالح (موظف) أن ما يشهده في بعض وسائل النقل العمومية صباحا أمرا غير معقول حيث يقوم بعض الملتحين بمضايقة سيدات يتوجهن الى عملهن من خلال مطالبتهن بالعودة أدراجهن وممارسة الدور التقليدي للمرأة حسب منطقهم. وقال إن هذه الأفكار ظلامية ومستوردة من مجتمعات أخرى.
أما ألفة (عاملة) فقد استغربت من عودة بعض الأفكار الرجعية قائلة «البعض يحاول جرنا الى الوراء بأفكار تجاوزناها منذ سنوات...» وأضافت أنها مستغربة من الفتاوى الجديدة التي تسمعها أحيانا ومن موجة التحريم والتكفير لدى البعض.
وقالت ان تونس كانت دائما دولة معروفة بانفتاحها وأن التونسي يرفض التعصب. من جهته اعتبر السيد علي (متقاعد) ان ما يحصل هو نتيجة معركة سياسية وأن المجتمع التونسي هو الضحية... وأضاف أن عدم فرض الدولة لقيمها ومبادئها الواضحة قدم الفرصة لسيطرة منطق القوة معتبرا أن تونس كانت دائما دولة عربية ومسلمة ولا حاجة لها للمفتين الجدد والمشككين والفاتحين... كما أنه لا حاجة لنا باستيراد علماء ودعاة ومفتين.
فراغ وفوضى
اعتبر الدكتور حبيب تريعة دكتور في علم النفس ودكتور في علم الاجتماع ان الفراغ الموجود في المجتمع يعود الى ضعف الحكومة وضعف الاجهزة الامنية وعدم وجود «الانضباط» وهو ما جعل البعض يشعر بعدم وجود من يسيطر عليه وأصبح متعنتا لفكره يجاهر به أمام الجميع ويحاول فرضه على الآخر.
وأضاف ان انتشار مظاهر العنف والجريمة هو نتيجة عدم تطبيق عقوبة الاعدام وعدم الصرامة في تطبيق القانون واعتبر ان الوعي التونسي ضعيف والجريمة والانحراف قد انتشرا لهذه الأسباب.
من جهة ثانية، أشار الدكتور حبيب تريعة الى العنف القائم والذي يمارسه أصحابه على أساس انهم يدافعون عن الدين واعتبر أن المجتمع التونسي كان وما يزال مجتمعا مسلما له عاداته وتقاليده.
وأشار الى أن بورقيبة قد قمع بعضا من هذه العادات بطريقة غير مباشرة ثم جاء الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي حاول ارساء نمط معين من الأخلاق والقيم وطمس كل ما هو اسلام.
وقال ان ما يقع اليوم هو ردّة فعل غير واعية وغير راشدة عما كان يقع سابقا، ربما مبالغ فيها لذلك نرى عدّة اتجاهات وافكار باسم الاسلام. وفسّر ذلك بغياب دور الدولة في هذا المجال ولمسيّر مما جعل الجميع يدعون التسيير مع ضعف دور الدولة وصورتها مقارنة بما كانت عليه وهوما يشكل حسب الدكتور حبيب تريعة خطرا كبيرا على مصير تونس. وأضاف أن هناك تدخلات كثيرة من الخارج حتى لا ينجح النموذج التونسي والثورة التونسية ولا تتحول الى مثال يحتذى.
ومن المظاهر التقليدية الاخرى التي بدأت ترسو في المجتمع باسم «العودة للدين» وعودة انماط المجتمع التقليدي لاحظ الدكتور حبيب تريعة عودة الزواج العرفي بقوّة الى تونس، وهو ما يمثل فوضى... ويعتبر ناقوس خطر للدولة المدنية ودولة القانون حيث تحافظ المرأة والأسرة عموما على حقوقها.
إسلام انفتاح
لاحظ الاستاذ ابراهيم الهادفي في (الكاتب العام للمجلس الاعلى الاسلامي سابقا) أنه لا يجوز لمن لم يضطلع بالدين ولم يتمكن منه اصدار فتاوى. وحول ما أشيع في الشبكة الاجتماعية من محاولات البعض القيام بعمليات قصاص من اللصوص قال انه لا يجوز للعامة القصاص واتخاذ دور القاضي والحاكم والا فإن الفوضى ستسود في المجتمع.
وحول بعض الفتاوى التي أصبحت تصدر محرّمة بعض السلوكيات ومنها الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وتقديم طبق «الزقوقو»، قال إن هذه القراءات تسند الى بعض المذاهب المتشددة ومنها الوهابية في السعودية، وقال ان كل المذاهب والشعوب المسلمة أباحت الاحتفال.
واعتبر الاستاذ ابراهيم الهادفي أن هناك اتجاها نحو التعصب والتطرف وقال إن هناك تنكرا لعلماء تونس بعد أن كانت تونس قطبا للاستشارات والفتاوى الدينية منذ 14 قرنا.
واعتبر أن هذا التشدد والتعصب بعيدان عن العقيدة وعن التسامح والوسطية والاعتدال. وقال ان تهميش الانظمة السياسية السابقة لعلماء تونس قد فسح المجال امام دعاة متطرفين وأمام السلفيين، وأشار الى أن تونس لم تعرف عبر تاريخها لا الخوارج ولا المتطرفين ولا المعتزلة ولابد لقيم المجتمع ان تنتصر في النهاية.
أما فيما يتعلق بعودة شكل التعليم الزيتوني فقال ان هذه التجربة لا يمكن أن تخرج عن مجرّد دروس وعظ وارشاد دون شهائد... فمن الصعب القيام بالتدريس وبتقديم دروس التجويد واللغة والتحسين وغيرها من الدروس التي كانت الزيتونة تقدمها فلا وجود لطلبة يستوعبون ذلك وهي دروس اضطلعت بدورها الجامعات.