عندما أصيبت السيدة روضة زرّوق بسرطان الثدي لم تجعل المرض يهزمها جسديا ولا نفسيا بل كان مرضها فرصة لاحتكاكها بمرضى آخرين ومساعدتهم.. وكانت «ضارّتها» نافعة حيث أسّست جمعية تعنى بمرضى السرطان في تونس.. ومنهم المصابون بسرطان الثدي أول سرطان يصيب نساء تونس ويفتك بهن لتساهم في محاربة مشاكل هذا المرض الذي يداهم أكثر من 2000 سيدة سنويا في تونس. «الشروق» حاولت تسليط الضوء على واقع هذا المرض ومشاكله من خلال حضور الملتقى العلمي حول سرطان الثدي والذي نظمه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بالتعاون مع جمعية مرضى السرطان والمعهد الفرنسي أمس. وكان لها لقاء مع رئيسة جمعية مرضى السرطان وعدد من المختصين.
أكدت السيدة حبيبة الزاهي بن رمضان الرئيسة المديرة العامة لديوان الأسرة والعمران البشري على أهمية الكشف المبكر في الوقاية من سرطان الثدي كما أكدت على أهمية الرعاية النفسية للنساء المصابات بالمرض. وتناول ملتقى الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري تقديم الاستراتيجية الوطنية لمقاومة سرطان الثدي بتونس ومجالات تدخل الديوان وبرامجه التثقيفية والوقائية.
... في تزايد
بيّنت الدكتورة منيرة نابلي خلال مداخلتها أن معدلات الاصابة بمرض السرطان في العالم في ارتفاع وازدياد حيث تسجل عالميا حوالي 12 مليون حالة سرطان جديدة. ويتوفى حوالي 8 ملايين شخص بسبب مرض السرطان في العالم. ومن المتوقع أن يرتفع عدد المصابين بهذا المرض سنة 2030 الى ما بين 20 و25 ألف حالة سرطان في العالم ليتم تسجيل ما بين 13 و16 مليون حالة وفاة سنويا.
أما في تونس فتقول الدكتورة منيرة النابلي أن عدد المصابين بالسرطان يقدّر ب11 ألف حالة منها 6 آلاف حالة لدى الذكور و5 آلاف حالة لدى الاناث. وتفسر الدكتورة نابلي أسباب هذا المرض بثلاثة أسباب رئيسية وهي التدخين ونمط الحياة المعقد في الدول الغربية والاستهلاكية والمتسبب في السمنة وتهرم السكان وكذلك الوراثة.
أما في ما يتعلق بسرطان الثدي فتقول الدكتورة سميرة كربول إنه أول أنواع السرطانات التي تصيب المرأة في تونس، وحسب مداخلة لإدارة مكافحة سرطان الثدي بتونس وإدارة الخدمات الطبية بسوسة التابعة لديوان الأسرة والعمران البشري تمّ خلال سنة 2010 تسجيل 2200 حالة سرطان الثدي لدى السيدات. ويمثل هذا السرطان أول مرض سرطاني لدى النساء بنسبة 30٪ (مقابل 5.2٪ لسرطان الرحم).
خطر متصاعد
يمثل سرطان الثدي 30٪ من مجمل السرطانات التي تصيب المرأة ويتم تسجيل قرابة 2000 حالة سنويا ويبلغ معدل أعمار السيدات المصابات خلال عملية الكشف 50.7٪.
ويلاحظ أن معدلات الاصابة بسرطان الثدي في تونس في تصاعد مستمر حيث مرّت من 16 امرأة لكل مائة ألف سنة 1994، الى 30 إصابة في كل 100 ألف امرأة لتصل سنة 2024 الى 60 إصابة لكل 100 ألف امرأة.
حسب الدراسات فإن 9٪ من الحالات في تونس لنساء تحت سنّ الخامسة والثلاثين وتعتبر هذه النسبة مرتفعة مقارنة مع النسب المسجلة في أوروبا (حوالي 3٪). ويعتبر الأخصائيون أن هذا المرض في هذه المرحلة العمرية خطير ويؤثر على الحياة الجنسية والمهنية.
كشف وتأخر
لئن أكدت الدكتورة منيرة نابلي خلال حديث لها مع «الشروق» على تزايد اقبال التونسيات على عمليات الكشف المبكر على سرطان الثدي فان هذا الكشف يبقى متأخرا في معظم الحالات لاكتشاف الاصابة بالمرض.
ويمثل الكشف المتأخر عن المرض المشكل الأساسي المتعلق بسرطان الثدي في تونس وأي التشخيص في مرحلة متأخرة. وتراجع معظم السيدات العيادات ولديهن أعراض تتجاوز الست أشهر ويكون لديهن معدل حجم الورم 4 سنتيمتر وفي هذه المرحلة يكون المرض قد تجاوز مرحلته الأولى وانتشر خارج الثدي ويتم تسجيل هذا التشخيص لدى 30٪ من السيدات ويؤدي الكشف المتأخر عن المرض حسب الأخصائيين الى تدني نوعية الحياة عند المرأة كما أن عملية العلاج تصبح صعبة نظرا لعدم الاستجابة لمختلف الأدوية والتكاليف الباهظة جدا.
وقد وضعت تونس ومن خلال مصالح وزارة الصحة وديوان الأسرة والعمران البشري استراتيجية وطنية للوقاية من سرطان الثدي وتهدف هذه الاستراتيجية الى التشجيع على التقصي المبكر للمرض قصد اكتشاف الورم السرطاني في مراحله الأولى أي حينما لا يتجاوز حجمه 2 صنتيمتر مقابل إصابة ب 4 صنتيمترات في الوضع الراهن وتعتمد الاستراتيجية على تقنية الاتصال عن قرب اضافة الى دعم الحملات الاعلامية كما تعتمد استراتيجية الديوان عن رسكلة الأطباء والقوابل والمختصين في علمي النفس والاجتماع.
وقام الديوان بأكثر من 815 ألف فحص سريري بين سنة 2004 و 2011 و23352 فحص ماموغرافي.. تمّ خلالها اكتشاف 475 اصابة بالسرطان. وقام الديوان بتغطية صحية تقدر ب 7 ٪ مقارنة مع النسبة الوطنية المتمثلة في 10 ٪ .
جمعية ومشاكل
خلال حديث ل «الشروق» مع السيدة روضة زرّوق تحدثت عن اصابتها بهذا المرض التي دفعها لمعرفة اشكالياته. كانت روضة تحاول تجاوز مرضها من خلال مساعدة المرضى الآخرين ومنهم المشوهين وكانت دائمة الابتسامة حتى تزرع الأمل في نفوس الآخرين. وتقول روضة ان معرفتها لحاجيات المرضى النفسية والاجتماعية جعلتها تساهم في تأسيس جمعية مرض السرطان التي تقدم الدعم المادي والنفسي.
وتضيف محدثتنا أن هناك مشاكل كثيرة تحيط بالمريضات والمرضى أهمها وجود حالات اجتماعية لا تتمتع بالعلاج المجاني وليس لها دفتر علاج. كما أن هناك أنواعا من الأدوية التي لا يغطي مصاريفها ال«كنام» رغم أن المريض يحتاجها في مراحل متقدمة من المرض.
وتحاول الجمعية زرع الأمل في نفوس المرضى واحاطتهم نفسيا من خلال القيام بوضع موعد الاستشفاء وتذكيره به وزيارتهم ودعمهم ونصحهم من خلال المرضى ويجد المريض نفسه أكثر راحة في الحديث مع مريض مثله له نفس معاناته.
وتؤكد السيدة روضة وجود مشاكل نفسية وعائلية لدى بعض المصابات بسرطان الثدي لكن نصيحتها هي أن لا تحصر المرأة أنوثتها في وجود ثدي قد يتم بتره فالمرأة هي عقل وجسد وروح وأعضاء أخرى وترى أن على المرأة المريضة أن تكون واثقة في نفسها وأنوثتها وتمرر هذه الثقة الى الآخر والزوج.
وحسب الاخصائية النفسية الفرنسية فقد بينت أن الاصابة بهذا النوع من السرطانات قد يعني للمرأة اصابة في هويتها وأمومتها وحياتها الجنسية وقد يعني لدى أخريات في لاوعيهن الموت. وعلى الاخصائيين النفسانيين ادارة هذه الأمور والعمل على زرع الأمل في الحياة والثقة لدى المصابات.