تحدّث الممثّل المسرحي محمد علي سعيد في لقائه ب«الشروق» عن مشاكل القطاع المسرحي في تونس بعد الثورة، وخصوصا عن مسألة الدعم والتوزيع والمحسوبية وازدواجية المكاييل ووضعية الممثلين المتفرّغين. الممثل الذي أمضى 26 سنة من الانتاج والتمثيل والاخراج في المسرح والسينما تحدّث بمرارة عن واقع القطاع وكيف أنّه دفع ثمنا باهظا نتيجة عدم رضوخه لمنطق المحسوبية الذي لا يزال قائما ويمثل المقياس الأساسي في تعاطي ادارة المسرح التابعة لوزارة الثقافة مع الأعمال الفنية، حسب تأكيده في الحوار التالي:
بعد نحو عام ونصف العام من الثورة ما الذي تغيّر في قطاع المسرح، وما الذي تحقّق للمبدعين؟
لا شيء تغيّر بل انّ المبدع ظلّ يعمل في ظروف أبعد ما يكون عن الابداع والتركيز على العمل الفني، فالهاجس اليوم (تماما كما هو في السنوات الأخيرة) لم يعد ابداعيا بل العلاقة بادارة المسرح بسبب «الحصار» الذي فرضته على أعمالي ذلك أنّ شركة «رؤى للانتاج الفني» التي أسستها سنة 2003 أنتجت 6 أعمال منها 4 انتاجات شخصية لكنها لم تحصل على الدعم الّا في مناسبتين عام 2008 لمسرحية «أحمر الشفاه» وعام 2010 لمسرحية «الرحلة» (للأطفال) مقابل رفض 9 مطالب للدعم ولكن رغم الرفض أعتمد على امكاناتي الذاتية للانتاج.
وأنا أعتبر أنّ القضية ليست عدم استيفاء الملف للشروط بل ان العملية غير شفافة وهناك بالفعل محسوبية والعلاقات للأسف هي المحدّد للدعم.
وهذا الأمر كان معمولا به منذ سنوات طويلة، أما بعد 14 جانفي فقد استبشرنا خيرا وظننّا أنّ العقليات ستتغير والمعطيات ستتبدّل ولكن صُدمنا بواقع أمرّ فالممارسات هي نفسها والوجوه هي ذاتها والمسؤولون هم أنفسهم بل لقد تمّ ترقيتهم بعد الثورة وصاروا متحكّمين في القطاع بشكل أكبر.
ما الذي تعيبه على ادارة المسرح تحديدا؟
ما نعيبه هو اعتماد سياسة المكيالين والمحسوبية، فمنذ جانفي الماضي ونحن ننتظر الدعم لأعمالنا ولكن دون جدوى رغم أن ادارة المسرح أعلنت عن عدد لا بأس به من الأعمال المدعومة لبعض هياكل الانتاج ولكنني فوجئت بغياب برمجة أعمالي على القائمة التي يتم ارسالها الى المندوبيات الجهوية لتختار ما تحتاجه من عروض.
وعند الاتصال بادارة المسرح تساءلت عن أسباب عدم برمجة أعمالي أجابتني المسؤولة هناك حرفيا بأنّ ادارة المسرح ومن ورائها وزارة الثقافة ليس من مهامها تشغيل المسرحيين والفنانين، كما أن منح المساعدة على الانتاج هي موجهة أساسا لدعم الجهات وتحريك النشاط الثقافي فيها وليس لدعم الهياكل المحترفة، اضافة الى أنّ العروض التي تمّ توزيعها لبقية الهياكل كانت بطلب من المهرجانات والمندوبيات الجهوية للثقافة التي لم تطلب أعمالي والحال أن هذه الأعمال غير مبرمجة في القائمة أصلا فكيف ستطلبها المندوبيات؟
وبرّرت المسؤولة ذاتها عدم تمتيعي بالدعم والتوزيع بالقول انّ وزارة الثقافة لا تزال تشتغل ب 25% من ميزانيتها (قبل المصادقة على الميزانية التكميلية) ولكنني هنا أتساءل اذا كانت وزارة الثقافة ليس من مهامها تشغيل الفنانين والمسرحيين فلماذا تمنحنا بطاقة احتراف مهن الفنون الدرامية وتلزمنا بان نمضي تصريحا على الشرف بألّا نمارس أي مهنة أخرى غير مهنتنا، ثم لماذا تلزمني وزارة الثقافة بأن أشغّل الثلثين من المحترفين في الفريق العامل؟ فهل هذه بوادر بأنّ السياسة الجديدة للدولة تتّجه نحو رفع يدها عن القطاع؟ وما مصيري ومصير زملائي الذين يعيشون من هذه المهنة اذا تواصلت نفس السياسة؟
هذا يطرح أيضا مشكلا كبيرا يعيشه قطاع المسرح وهو حالة التجاذب بين المتفرّغين من الممثلين ومن يمكن وصفهم ب «المتحيلين» الذين لا يتورّعون في امتهان مهنتين؟ فعلا هذه مشكلة لا بدّ من أن تكون معلومة لدى وزارة الثقافة فالبطاقة المهنية تُمنح لكل متخرج من معهد الفنون المسرحية، يكون متفرغا لمهنته ولكن ما نراه أنه لا يتم منع البعض من حاملي البطاقة المتفرغين من ممارسة مهن أخرى كالتدريس خاصة، وهذا دأب عدد من الفنانين الذين يمكن تصنيفهم في خانة أصحاب المهن المزدوجة والذين ينافسوننا في الحصول على الدعم والترويج.
ونحن نطالب وزارة الثقافة بالتدخّل، خاصة أنّ جمعية خريجي المعهد العالي للفن المسرحي التي تقول انّ هدفها دعم الأنشطة المسرحية في الجهات تعمل – عبر تكوين جمعيات في الجهات- على تشكيل جبهة لمواجهة المتفرغين والتأثير على سلطة الاشراف في تطبيق القانون وحماية المبدعين المتفرغين.
وباختصار ما هي مطالبكم اليوم لتصحيح هذا الواقع؟
ما نطلبه من وزارة الثقافة أن تحفظ كرامة المبدعين والفنانين المتفرغين وأن تخلق المساواة بين المسرحيين وتضرب الرشوة والمحسوبية، كما أؤكّد وقد تكلمت اليوم بعد صمت طويل بسبب شعوري بالقهر والغبن أنني لن أرضخ ولن أدخل تحت سقف المحسوبية والرشوة وان متّ جوعا، وأقول لمن يدّعي العمل على احياء الجهات لا تتاجروا بالجهات المحرومة فقد عرضنا فيها منذ أكثر من عشرين سنة... قدّمنا عروضا في الجبال وفي الصحارى ولا ندّعي في ذلك بطولة، فقط نريد الانصاف.