بينت نتائج انتخابات الرئاسة المصرية في جولتها الأولى حجم القلق الذي يساور قطاعات عريضة من مكونات الشعب المصري ، وبدا واضحاً اختلاط العوامل الطائفية بالأيديولوجية والفكرية في تحديد الخريطة السياسية. ومما لا شك فيه أن الإخوان المسلمين لم يتمكنوا من إقناع الجماهير بسلامة نيتهم وقدرتهم على نقل مصر من الحالة المرضية التي عانت منها طوال عقود ماضية إلى حالة التعافي والازدهار التي ينشدها كل مصري. إن الفوز المتواضع الذي حصل عليه مرشح الإخوان المسلمين ضد رمز من رموز النظام السابق قد يؤشر إلى حجم الانقسام في الشارع المصري بين تيارين جوهريين يتحدان في هدف إنجاح الثورة ، بينما يختلفان جذرياً فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسي والسيطرة على السلطات.
ومن المنطق أن نعتقد بأن الإسلاميين أو من أيدوا مرشح الإخوان والبالغة نسبتهم حوالي 25% سيعودون بأصواتهم ثانية إلى مرسي في انتخابات الإعادة. وهذه النسبة تعادل أيضاً ما حصل عليه شفيق وما سيحصل عليه أيضاً من هذه الشريحة في انتخابات الإعادة. لهذا إذا أردنا أن نتوقع الخريطة الانتخابية التي ستحدد الفائز في الانتخابات فإنه لا بد من دراسة كيفية توزيع الأصوات الباقية والبالغة حوالي 50%.
بالنسبة إلى شفيق فإن المنطق يقتضي حصوله على أصوات عمرو موسى جميعها ، نظراً لتشابه الشريحة الانتخابية للفريقين إضافة إلى أصوات الفئات التي ترفض هيمنة الإخوان المسلمين على جميع مفاصل الدولة. وبذلك فإنه من شبه المؤكد حصول د. شفيق على «كوتا» مغلقة تقترب من 36%.
وعلى الجانب الآخر فإن جزءاً من الأصوات التي حصل عليها أبو الفتوح ستنتقل إلى مرسي، لكن في الحقيقة لن تنتقل كل أصوات أنصار أبو الفتوح إلى مرشح جماعة الإخوان المسلمين وذلك نظراً لطبيعة التحالفات العريضة والمتنوعة التي بناها أبو الفتوح والتي قد تختلف مع توجهات جماعة الإخوان المسلمين، بل وتتناقض معها في كثير من الأحيان.
لذلك لا يمكن التكهن بنسبة عدد الأصوات التي سيكسبها مرشح الإخوان المسلمين من مؤيدي أبو الفتوح، ولن يجدي نفعاً إتفاق الإخوان مع د. أبو الفتوح إن تم ذلك كون الكتل الانتخابية التي أيدت أبو الفتوح لم تنبثق عن تنظيم سياسي متماسك، بل يمكن وصفها في مجموعها بأنها تجمعات انتخابية سائلة، لا تأتمر بأمر أحد. ويبدو بأن حظوظ شفيق تبقى مقاربة لحظوظ مرسي باعتبار ما تقدم من اصطفافات انتخابية محتملة، إن لم تكن أفضل..!! لهذا فإن الكتلة الانتخابية الخاصة بالدكتور صباحي هي التي ستحسم الانتخابات الرئاسية، وعليه فإننا بحاجة أكبر إلى دراسة هذه الكتلة وتوجهاتها الانتخابية عند التصويت لصالح فريقين تتفق وتتناقض معهما في أمور كثيرة.
من الواضح بأن صباحي ومؤيدوه ليسوا مع إعادة إنتاج نظام مبارك، وليس من المنطق أن يؤيدوا شفيق الذي يتهمونه بأنه من الفلول. وفي نفس الوقت فإن صباحي يؤيد الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، وهو بذلك يعارض تولي الإخوان المسلمين الرئاسة في مصر، خاصة وأنهم إن فعلوا ذلك فإن جميع مفاصل السلطات التشريعية والتنفيذية ستتركز بأيديهم، وهذا بحد ذاته يعتبر أيضاً إعادة إنتاج لحكم الحزب الواحد الذي عانت منه مصر لعقود. لذلك فمن المرجح عدم مشاركة نسبة كبيرة من كتلة د. صباحي في الانتخابات، بينما لا يبدو واضحاً كيف سيختار مؤيدوصباحي بين أمرين أحلاهما مر، وأي العدوين اللدودين سيختارون. ومن المؤكد أن يصب عزوف شرائح من أنصار أبو الفتوح وصباحي إلى تعزيز فرص شفيق في الفوز.
وإن كان لنا أن نستبق الأحداث قليلاً فإنه لا بد أن يسارع الإخوان المسلمون ود. شفيق لبناء تحالفات جديدة يقدم الطرفان فيها تنازلات جوهرية لصالح صباحي على وجه الخصوص، ومن الممكن أن يشمل ذلك أموراً لا زالت معلقة كاللجنة التأسيسية وطبيعة النظام السياسي ودور الرئيس وصلاحياته، وبناءً عليه يمكن أن يدرس صباحي الميل إلى أحد الجانبين كرئيس حكومة بصلاحيات واسعة مثلاً. وحينها لا شك بأن صباحي يمكن أن يحتفظ بكتلة كبيرة من مؤيديه ، لكنه ولا شك سيفقد جزءاً مهماً منها.
والسؤال: هل سيخاطر صباحي بمستقبله السياسي ويميل إلى إحدى الكفتين اللتين تتناقضان مع جوهر شعاراته وتوجهاته السياسية؟ لكن حتى لو فعل فإن الارتدادات العكسية لهكذا قرار قد تؤدي بشريحة مهمة من الأصوات في الاتجاه المضاد. إلا أننا ومن واقع دراسة المرحلة الماضية يمكن أن نستبعد اتفاقاً شفافاً ضمن الإطار الزمني المتاح، لأن الجميع يحاول قطف الثمرة والاستئثار بالكعكة وحده، وفي المحصلة فإن النتيجة ربما كانت غير مضمونة لأي من الفريقين المتصارعين.
لكن يبدو أن هناك مدخلاً سهلاً لحسم الانتخابات إذا استنكف مرشح الإخوان عن إكمال السباق الرئاسي، وبذلك ينحصر الصراع بين مرشح الثورة صباحي وشفيق الذي يعتبره كثيرون بأنه من الفلول.
في هذه الحالة يمكن الوصول إلى خريطة انتخابية واضحة وسهلة الفهم والتوقع، وفيها سيحافظ صباحي على نسبة 20% التي حصل عليها، ولن يكون هناك بديل لدعم الإخوان المسلمين له ومنحه 25% من الأصوات، وكذلك دعم كتلة أبو الفتوح بنسبة 18%، إضافة إلى كثير من أصوات الشرائح التي انتخبت المرشحين الأقل حظاً في الانتخابات الأولى. حينها ستكون نسبة الإجماع على الرئيس الجديد حمدين صباحي 6570%، وستكون تلك الانتخابات دعامة أساسية للاستقرار، بعكس انتخابات رئاسية يفوز بها الرئيس بنسبة تتجاوز 50% بقليل، أياً كان توجهه. لذلك قد يكون من الأجدى والأضمن للإخوان المسلمين ود. أبو الفتوح محاولة الوصول إلى اتفاق يضمن مصالح الأطراف والثورة مقابل دعم صباحي للفوز بكرسي الرئاسة المصرية، لأن المغامرة أو المقامرة بالتوجه إلى الانتخابات في عدم وجود اتفاقات واضحة، تضمن نتائج مؤكدة، يعتبر انتحاراً سياسياً وانتكاسة للثورة.