كان يعمل «مكوجيّا» ثمّ تسلل الى الغناء... بصوت لا يختلف كثيرا عن صوت محرك ديزل منهك... اسمه شعبان عبد الرحيم... يلبس الاصفر على الاحمر على الاخضر... يتزين بسلاسل ذهبية غليظة حول رقبته المكتنزة... ساعات ملونة ولماعة تزين معصميه... اشتهر بين الناس وكتبت عنه أكبر الصحف الغربية... منذ غنى «أنا بكره اسرائيل وأحب عمرو موسى»... قالوا انه ظاهرة ستزول كما زالت ظاهرة أحمد عدوية... النقاد «الرقي» والمثقفون «الرقي» حقّروا من شأنه وفي أحسن الحالات اعتبروه «نكتة»... يتندّرون... يضحكون من دخيل ناجح... دخيل ليست له شهادة حتى في محو الأمية... وكلما ضحكوا كلما زاد نجاحه شعبيا وزاد فضول المتابعين غير العرب... الرجل يحرج بعض المثقفين الذين يتحدثون بالفقهي ويمارسون العنف على اللغة بجمل وشعارات واستطرادات فاقدة للوعي وتصيب المنصتين بالاغماء... فهؤلاء الذين لا يعيشون زمنهم ولا يعيشون قضايا مجتمعهم فالشاعر يكتب عن حب لا يشفى والكاتب يختصر همّه في خصر امرأة وهذيان فرويدي... يعانق قضية من قضايا مجتمعه ولا يعتنقها خاصة اذا كانت الجلسة الادبية مزدانة بالمطهرات الموضعية مثل «السبيريتو» وأخواته... أما شعبان عبد الرحيم الذي تخرج من جامعة الطوب والصفيح وعايش المدارس الشعبية تلك التي تقع خلف الاسوار بعيدا عن الانظار فإنه لا يتحمس لقضية عندما يسكر... فيكسر... يغني... فقط يغني بحنجرته الحرشاء ولكن بصوت الناس المكدّسين تحت أكداس من الاوهام والاحلام والاوجاع... حتى صار مثل الجريدة المغناة... تحمل أغانيه عناوين تحتل الصفحات الاولى للجرائد... «خريطة الطريق» «يكره اسرائيل»... «سقوط البرجين» «حطفّي النور» وهو يقصد الفواتير... غنى عن المخدرات... غنّى «أكره الكراسي»... وترك الحب للآخرين... للراقين... للنائمين في العسل... قد لا يعجبني صوته... قد لا تعجبني كلمات أغانيه ولكن مواضيعها درس... للذين يعلمون كل شيء... أهل القصة والاقصوصة... أهل الكتاب والديوان... هذا أمّي يغني لأمة أغلبها أمّيون... عن قضايا زمنهم... فمن نعيب؟