تواصلت أمس جلسات المؤتمر القومي العربي التي تناوب فيها عدد من أعضائه طيلة يوم كامل على تقديم مداخلات وورقات للنقاش بعثت في سبل استنهاض التيار القومي العربي. جلسات المؤتمر القومي افتتحها صباح أمس الأمين العام السابق للمؤتمر الأستاذ معن بشور الذي قدم ورقة مهمة استفاض فيها في الاجابة عن بعض الأسئلة الحارقة المتعلقة بأسباب انحسار التيارالقومي العربي وامكانيات ووسائل تحريكه واعادة الاعتبار له... وفي مداخلته شدد السيد معن بشور على ان التردي المؤلم الذي يعيشه الوطن العربي من تجزئة وانقسام ومن احتلال وتدخلات خارجية ومن فتن وحروب طائفية ومذهبية وعرقية ومن قهر واستبداد ومن تخلف وتعثر اقتصادي واجتماعي ومن افتعال التناقضات بين العروبة والاسلام لا يمكن مجابهتها الا من خلال عناصر المشروع النهضوي العربي التي تشكل في مجملها الاطار الفكري والسياسي للتيار القومي العربي.
ولاحظ الاستاذ معن بشور في هذا الصدد أن الخطاب القومي العربي بات باعتباره خطابا جامعا، هو الحاجة الاطار الذي تستطيع من خلاله المجتمعات العربية أن تتجاوز خطبا تركز على الهويات الفرعية أو النزاعات التقسيمية محذرا من أن مثل هذا الأمر أصبح يشكل خطرا على وحدة الكيانات الوطنية ذاتها ناهيك عن وحدة الأمة كلها... والخطاب القومي العربي بتركيزه على تكامل العروبة والاسلام وعلى أهمية التجدد الحضاري في الأمة يشكل كما يقول الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي تعبيرا راهنا عن الحضارة العربية الاسلامية الجامعة للعرب المسلمين وغير المسلمين وللمسلمين العرب وغير العرب.
وهذا الخطاب كما يضيف انما يقدم من خلال ابرازه الديمقراطية كهدف رئيسي من أهداف الأمة حلا لمشكلة المواطنة وحقوق الانسان. وبعد ان عدد العوامل التي تقف وراء انحسار التيار القومي العربي التي اختزلها في 10 أسباب لعل أبرزها اخفاق معظم الانظمة والتنظيمات القومية في النجاح عبر تجربتها العملية في نقل الصورة الحقيقية لأفكار هذا التيار ومبادئه وأهدافه فضلا عن وجود فجوة واسعة بين أطر العمل القومي العربي وتراجع دور الابحاث والدراسات في تجديد الفكر النهضوي وتطويره اضافة الى النقص الفادح في اعتماد والمراجعة الدائمة، رأى الاستاذ معن بشور أن الأمة تحتاج الى خطاب يعالج مشكلاتها برؤية يغلب فيها التوازن على الاحادية والمصلحة الوطنية والقومية على المصلحة الفئوية والذاتية وروح الانفتاح على روح الانغلاق. وأكد المفكر القومي العربي أن المرحلة الراهنة تستوجب التأسيس الفعلي لخطاب تتلازم فيه وحدة الأمة مع احترام تعددية الآراء فيها...
الدكتور زياد حافظ، عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي وأمين عام المنتدى القومي العربي توقف في مداخلته عند أهم التحديات والقضايا الراهنة في ضوء الحراك الشعبي «الزاحف» على بعض الدول العربية مشيرا بالخصوص الى دور الاعلام وخاصة الفضائيات العربية الممولة من المال النفطي والتي تحولت، كما يقول الى أدوات لغسل الدماغ واحتلال العقول عبر المعلومة الخاطئة والمفاهيم المظلة التي تروجها دون رقابة ومحاسبة...
وأضاف أن «الأفكار المغلوطة» والانماط الفكرية المعلبة التي تروجها وسائل الاعلام هذه وفقا لتقنيات أعدت في الغرب من قبل شركات متخصصة في ذلك تهدف الى محو الذاكرة الجامعة عند العرب واستبدالها بمفاهيم جديدة يقال عنها انها حداثوية وعصرية ولكن أفعالها تهدف الى تذويب الهوية الوطنية والقومية تمهيدا لانخراط في عولمة تسيطر عليها دول الغرب.
واعتبر الدكتور زياد الحافظ أن الدور الذي قامت به تلك الفضائيات في تغطية الحراك الجماهيري الذي عم عددا من الاقطار العربية أبرز التناقض بين الواقع الفقير ثقافيا لتلك الفضائيات والأهداف الاستراتيجية في ضرب مفهوم العروبة واستبدالها بهويات فرعية تؤسس لتفتيت المنطقة والغاء امكانية التجدد الحضاري الذي يصون الاستقلال الوطني والقومي.
من جانبه قدم الاستاذ محمد حسب الرسول، الكاتب والسياسي السوداني وعضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي قراءة لحال الاستقلال الوطني والقومي من خلال قياس الواقع القطري والقومي بمؤشرات المشروع النهضوي العربي ومرتكزاته.
ولاحظ السيد محمد حسب الرسول أن جرح التجزئة مازال غائرا في الحاضر العربي. كما في التاريخ مشيرا الى أن العام المنقضي لم يشهد جديدا في مجال معالجة هذا الجرح النازف حيث ظلت الأماني تراوح مكانها دون ان تبلغ حلم الوحدة. وتابع أنه لم تبرز خلال العام الفائت مؤشرات تدل على تزحزح الحال العربي عن موقعه في الخارطة الكونية للتنمية ان كان على المستوى القطري أو على المستوى القومي اذ ما تزال معدلات الفقر والبطالة والتضخم والفساد والجهل والمرض تفترش سيادة الوطن وتلتحف كرامة المواطن.
واستنتج الكاتب والسياسي السوداني في ورقته هذه أن الوضع العربي وصل درجة غير معقولة مؤكدا أن واجبا وطنيا وقوميا ينتظر النخب والشعوب لأن تضطلع به لتبدل الحال الى حال تتعافى فيها الأمة مما أصابها في كبد أمنها واستقلالها وحاضرها.