العدل هو الانصاف، واعطاء المرء ما له، وأخذ ما عليه. وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر بالعدل، وتحث عليه، وتدعو الى التمسك به، كقوله تعالى {وَاِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ{ (النساء 58). والعدل ضدّ الظلم وهو مناعة نفسية، تردع صاحبها عن الظلم وتحفّزه على الحق، وهو أداء لتحقيق الحقوق والواجبات. كما أنّه سيّد الفضائل، ورمز المفاخر، وقوام المجتمع المتحضّر، وسبيل السعادة والسلام. قال تعالى {اِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِحْسَانِ وَاِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل 90).
والعدل اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته العليا. ولقد فطرت النّفوس السليمة على حب العدل واستحسانه، وبغض الظلم واستنكاره، وأجمع البشر عبر الحياة واختلاف الشرائع والمبادئ على تمجيد العدل وتقديسه، والتغنّي بفضائله ومآثره. فهو سرّ حياة الأمم، ورمز فضائلها، وقوام مجدها وسعادتها، وضمان أمنها ورخائها. كفّ الأذى به يوفر الأمان للضعيف والفقير ويُشْعره بالعزّة والفخر. ويشيع الحبّ بين النّاس وبين الحاكم والمحكوم. ويمنع الظالم عن ظلمه ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض. وما تلاشت الحضارات العتيدة، الاّ بضياع العدل والاستهانة بمبدئه الأصيل.
فالمسلم مطالب بأن يعدل مع جميع النّاس سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، فالله يأمر بعدم انقاص النّاس حقوقهم، وذلك برعاية حقوق أفراد المجتمع، وكفّ الأذى والاساءة عنهم، وسياستهم بكرم الأخلاق وحبّ الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم، ونحوذلك من محقّقات العدل الاجتماعي. قال تعالى {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ{ (هود 85) وقال تعالى {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة 8) أي: لا تحملكم عداوتكم وخصومتكم لقوم على ظلمهم، بل يجب العدل مع الجميع سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء.
والمسلم يسوِّي بين أولاده حتى في القُبْلَة، فلا يُفَضِّل بعضهم بهدية أو عطاء حتى لا تُوقَد بينهم نار العداوة والبغضاء. يقول النعمان بن بشير: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة (أمّ النعمان) لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنّي أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أأعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».
(رواه البخاري) مشاعر الوفاء
والمسلم يزن بالعدل ولا ينقص النّاس حقوقهم، ولا يكون من الذين يأخذون أكثر من حقهم اذا اشتروا، وينقصون الميزان والمكيال اذا باعوا، وقد توَّعد الله من يفعل ذلك،
ومن العدل أن يستشعر الأحياء نحو أسلافهم الأموات بمشاعر الوفاء والعطف وحسن المكافأة، وذلك بتنفيذ وصاياهم، وتسديد ديونهم، واسداء الخيرات اليهم، وطلب الغفران والرضا والرحمة من الله لهم.
وأجدر النّاس بالعدل وأولاهم بالتحلّي به الحكّام ساسة الرعية، وولاة أمور الأمّة، بعدلهم يستتب الأمن، ويسود السلام، ويشيع الرخاء، وتسعد الرعية. وبجورهم تنتكس تلك الفضائل، والأماني الى نقائضها، وتغدوالأمّة آنذاك في قلق وحيرة وضنك وشقاء.
كان الصحابي الجليل أبوهريرة رضي الله عنه يقول: عمل الامام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة. والامام العادل من السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظلّ الاّ ظلّه. كما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الحديث الذي (رواه البخاري) .
قطعة من النّار
وحُكي أنّ أحد رسل الملوك جاء لمقابلة عمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت شجرة، فتعجب، اذ كيف ينام حاكم المسلمين دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر. وبالتحقيق بالعدل ينال المرء حبّ ربّه، قال تعالى {وَأَقْسِطُوا اِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات 9).
وكان صلى الله عليه وسلم مثالا في تطبيق العدل، وقد جاء اليه رجلان من الأنصار يختصمان اليه، ويطلبان منه أن يحكم بينهما، فأخبرهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأنّ مَنْ يأخذ حق أخيه، فانّما يأخذ قطعة من النّار، فبكي الرّجلان وتنازل كلّ واحد منهما عن حقه لأخيه.
وسرقت امرأة أثناء فتح مكة، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها الحدَّ ويقطع يدها، فذهب أهلها الى أسامة بن زيد وطلبوا منه أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقطع يدها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبّ أسامة حبَّا شديدًا. فلمّا تشفع أسامة لتلك المرأة تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثمّ قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم فخطب في النّاس، وقال: فانّما أهلك الذين قبلكم أنّهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لوأنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها. (أخرجه البخاري).