تابعت الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي طيلة مساء يوم الاثنين ويوم أمس أحداث العنف التي نسبت إلى السلفيين وبلغت حد إضرام النار في محكمة تونس الثانية بالسيجومي، واقتحام عدة مقرات أمنية وإتلاف محتوياتها وتعطيل الحياة في عدد من ضواحي العاصمة والمدن الداخلية. ثمة إجماع في الصفحات التونسية بكل توجهاتها على أن التيارات السلفية هي التي دعت إلى إعلان الغضب في الشارع والانتقام من الفنانين المشاركين في معرض ربيع الفنون بالمرسى، وثمة دعوات علنية وصريحة للقتل أطلقتها عدة صفحات معروفة بانتمائها السلفي بحجة الانتقام للمقدسات الإسلامية. وبقدر وضوح المشهد عند هذا الحد، فإن ما حدث بعد ذلك من تطورات عنيفة تطلبت في بعض الأماكن إطلاق النار في الهواء لتفريق المتظاهرين لم يكن واضحا بالحد الكافي لاتخاذ موقف نهائي حتى أن عدة ناشطين محايدين تحدثوا عن «شبان منحرفين ليس بينهم سلفيون» استغلوا مسيرات السلفيين لبث العنف والنهب والحرق في عدة ضواحي.
وفي هذا الإطار، فوجئ العديد من الناشطين التونسيين يوم أمس بشهادة مذهلة للناشطة لينا بن مهني، تذكر فيها أنها طافت مع عدد من أصدقائها ضاحية المرسى ليلة أول أمس فلم يروا سلفيا واحدا، بل رأوا عددا من المراهقين في مناوشات مع أعوان الأمن. ولا يمكن لأحد أن يتهم لينا بن مهني وأصدقاءها بالتودد إلى السلفيين أو التغطية على أعمالهم، إذ هي أقرب إلى العداء معهم، ورغم ذلك فقد واجهت عدة تهم تشكك في روايتها مما جعلها تكتب في صفحتها: «قولوا اش تحبوا ما شفتش سلفيين يضربوا ما نيش باش نقول ماخذة خاطر فيكم اللي أنا ريت سلفيين. البارح ما شفتش سلفيين اللي شفته حكيته». وكتبت صديقة لها تعليقا: «شيء كبير هذا، تحبوها بالسيف تشوف سلفيين ؟ يا ناس فيقو شويا، راكم وليتوا ماريونات في يدين الأنذال إلي يحبوا يفرضوا علينا سياسة فرق تسد. والخاسر الأكبر هو أحنا الزواولة !».
غير أن ذلك ليس الحقيقة كلها، فقد تم نشر مقطع فيديو من مسيرة ليلية مخيفة في ضاحية قرطاج بيرصة لعدة مئات من السلفيين وسط التكبير ووردت تعاليق كثيرة تتحدث عن دعوات إلى العنف والانتقام من الفنانين المشاركين في معرض المرسى. وبدت الصور ومقاطع الفيديو الواردة من جهة حي الانطلاقة وحي التضامن أشبه بحرب الشوارع، اختلط فيها الغاز المسيل للدموع بالحجارة وبمشاهد الدخان والتخريب، وقد سارع العديد من الناشطين إلى اتهام التيارات السلفية بالتورط في تلك الأحداث، لكن حقوقيين معروفين بحيادهم دعوا إلى عدم التسرع، وكتب محام شاب يقول إن مكتبه في حي التضامن: «أستطيع أن أقول الآن أن أعوان الحرس يواجهون شبابا أغلبهم من المنحرفين، ولم أر سلفيا واحدا في الشارع». ونقل زميل في جريدة أسبوعية عن مصدر أمني أن قوات الأمن قبضت على مجموعة سلفية يشتبه في أنها كانت تعد لمهاجمة البالماريوم، بالإضافة إلى القبض على عدد آخر من المتهمين، فيما صرح الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية أن قوات الأمن قبضت على 90 شخصا في كامل البلاد منهم عناصر من السلفية بالإضافة إلى عناصر إجرامية ذات سوابق.
كما تواترت الأخبار من المدن الداخلية عن احتجاجات عنيفة وحادة تورط فيها السلفيون، ووردت أخبار عن تعرض مقرات اتحاد الشغل وبعض أحزاب المعارضة في عدة مدن إلى الاعتداء، فيما تم احتجاز وإحراق شاحنة كانت تنقل مشروبات كحولية قرب مدينة الكاف.
أما في صفحات الموقع الاجتماعي، فإن حالة الاحتقان على أشدها، ويمكن العثور بسهولة على دعوات صريحة للقتل ضد الفنانين المشاركين في معرض المرسى، وحتى ضد بعض رموز المعارضة اليسارية.
وتبدو صفحات ناشطي النهضة أكثر تحفظا في ما يخص العنف، وثمة دعوات كثيرة لضبط النفس وتفادي العنف، وتداول ناشطون معروفون بقربهم من النهضة شعارا جاء فيه: «نعم لنصرة المقدسات، لا للتخريب وحرق المؤسسات»، بالإضافة إلى التحذير من أشخاص مأجورين لبث النهب والرعب باسم السلفيين والمتدينين.
لقد انتشرت الفوضى والغموض يوم أمس في الصفحات التونسية وتضاربت الأخبار، حتى أن ناشطة شابة تساءلت في حزن: «من ما يزال يتذكر أهداف الثورة ؟»، أما أغرب تعليق فقد كتبه شاب من العاصمة: «قالوا سلفية، بالله خلي نكملوا نتفرجوا فالEURO وبعد بلبزوها كيما تحبوا !!».