هي دولة وقوادها ثلاثة، اتفقوا على العبور بها إلى بر الأمان بما فيها من تناقضات، وهم أصل التناقضات، أنتجهم الخيار الديمقراطي والتمشي السليم المتفق عليه منذ البداية، أرادوا التغلّب على مطامعهم فضغطوا على أحلامهم إلى حين، ثم انطلقت المخيلة الحزبية تتحكم في القرارات، قرارات الدولة، حزبية من الطراز الأول. كل طرف بدأ في الشد لصالحه، والصراعات كلها على خيارات عامة وتوجهات كبيرة لمسك البلاد في جميع مفاصلها ، والكل يتربص بالاخر، المعارضة تقف موقف المتفرج بشماتة وتنتظر الفرصة لتنقض على الدولة او بالأحرى على تجمع الأحزاب الحاكمة، وجهات نظر مختلفة ومتباينة في اكثر المناسبات، قرارات كان من الفروض إن تكون صارمة تجاه من أراد العبث بمصير الدولة ولكن للأسف، لا احد يحرك ساكنا وكل طرف يريد الإيقاع بالطرف الآخر في الخطأ حتى يجد فرصة للتشفّي، وكلهم يقولون الآخر يريد إرباكنا، لا احد يعرف من هو الاخر، هل احزاب الترويكا ؟ ام المعارضة، ام المواطن العادي الذي لا انتماء له. التنازلات البسيطة للدولة وخاصة في الاجهزة السيادية مثل وزارة الداخلية هي التي سببت عديد الممارسات بدعوى الحرية وحقوق الانسان .
لم يكن السيد وزير الداخلية منذ البداية صارما، ربما استجابة لموقف حزبه من القضية المطروحة امامه وهي السلفيين وعناصر الحزب المنحل، اراد إن يكسب شعبية بان تساهل معهم في تجاوزات خطيرة تمس من استقرار البلاد، وكان هؤلاء اذكياء او بالاحرى كان الخبث يكمن في كل مواقفهم وينتظرون الفرصة السانحة لمزيد الضغط وكسب مساحة اكبر في القرار الرسمي للدولة وقد حصلوا على غايتهم. تقوّت شوكتهم وفهموا كما فهم الاخرون بان الدولة ضعيفة القرار، وعاجزة ربما على التصرف ، اليوم نجد فوضى عارمة في البلاد. تبادل الاتهامات وعنف خطابي كبير في وسائل الاعلام والكل يدعي المعرفة بقيادة الدولة، روح التعاون منزوعة من قاموسهم، في كل يوم نستفيق على خطة جديدة لانقاذ البلاد ، البلاد ليست غارقة، بل كل هؤلاء معا هم الغرقى الحقيقيين ويتخبطون في مسائل بعيدة كل البعد عن النهج السليم لقيادة البلاد .
كان على الحكومة او بالاحرى كان على النهضة بحكم أنها أقوى حزب في الحكومة إن تفتح باب التعاون وتفسح المجال للعديد من القدرات الكامنة في البلاد بان يبرزوا وكان على المعارضة ومن وقف موقفهم من الحكومة إن يقدموا يد المساعدة في وضع برامج قوية واعطاء رؤى اخرى من شانها التقدم بالوضع الامني والاجتماعي للبلاد للخروج الى بر الامان. ولكن لا احد يريد التشارك والتعاون برغم الخطاب الداعي لذلك، الانفرادية والنرجسية السياسية المطلقة تسيطر على الجميع من الرئيس الى الرئيس والى الرئيس ومن انضوى تحت راياتهم.
الخاسر هي الدولة في مصداقيتها تجاه أبنائها أولا وتجاه التحديات التي تواجهها وامام المجتمع الدولي الذي يراقب ويقيم ويعرقل في بعض الأحيان حتى لا يعطي فرصة للاستقرار للبلاد ولكل غايته الكبرى. اليوم وصل بنا الامر إن نتلاعب بمصير جيل باكمله من اجل اشعال نار الفتنة وارباك اجهزة الدولة، هذا التسرب لامتحان الباكالوريا ليس بالامر الهين. انها ناقوس انذار بان كل القيم بدات تنهار وان ليس للتونسي معيار وطني سليم فهو مستعد لكل شيء من اجل قضاء مأربه . لذا النصيحة للجميع بان تتركوا المصلحة الشخصية جانبا وان تتوحد القوى من اجل البلاد، من اجل الدولة، لانه ليس هناك من رابح اذا انهارت الدولة وآلياتها.