منذ إطلاق الندوة الوطنية حول العدالة الانتقالية في تونس في منتصف أفريل الماضي يُجمع مختلف المراقبين على أنّ مسار العدالة الانتقالية لا يزال متعثرا لأسباب تقول الحكومة إنها موضوعية مدارها البحث عن التوافق اللازم وتقول أطراف حزبية وفي المجتمع المدني إنها غير مبرّرة.
وقد تحدّثت الحكومة عن اقتراب موعد تقديم مشروع (للمجلس التأسيسي) لتشكيل هيئة مستقلة للإشراف على مسار العدالة الانتقالية منذ أسابيع، ولكن حتى الساعة لم ير هذا المشروع النور ولا تزال الأمور في مرحلة المشاورات والاستعداد لإطلاق حوار وطني على مستوى الجهات الشهر المقبل.
مخاوف وتحفظات
وأبدت عدّة أحزاب وأطراف ناشطة في المجتمع المدني مخاوفها من انحراف مسار العدالة الانتقالية والقيام بتسويات وربما صفقات خارج آلية العدالة الانتقالية التي من المفترض أن تضبطها الهيئة المستقلة، واتهمت هذه الأطراف الحكومة باستباق مسار العدالة الانتقالية والبدء بإجراءات مثل إعفاء عدد من القضاة وتحجير السفر على مئات من رجال الأعمال وتقديم مشروع قانون (من جانب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أحد أضلاع الترويكا الحاكمة) لمنع التجمعيين والدستوريين من ممارسة العمل السياسي في المرحلة القادمة.
وترى هذه الأطراف أنّ الحكومة أبطأت في فتح بعض الملفات وسارعت بفتح ملفات أخرى كما تم إغلاق ملفات بنفس السرعة التي فُتحت بها، داعية إلى ضرورة التعجيل بتركيز هيئة مستقلة تماما عن الحكومة للإشراف على مسار العدالة الانتقالية.
وكان الحزب الجمهوري من بين الجهات التي أبدت استغرابها للمسار الذي اتخذته المحاسبة وعملية الإصلاح، في استباق لمسار العدالة الانتقالية دون إجراء حوار وطني حول المسألة وقبل تركيز هيئة مستقلة تشرف على هذا الملف الشائك وتحمسه من انزلاقات التسوية وإبرام الصفقات والإفلات من العقاب.
وقال الحزب إنه في نطاق معارضة بناءة وغيورة على الوطن وعلى التعايش السلمي بين أفراده يتقدم الحزب بمشروع قانون للعدالة الانتقالية إلى المجلس التأسيسي. ويشمل هذا المشروع «ضرورة إنشاء هيئة مستقلة ويحدّد تركيبتها وشروط اختيار أعضائها، ويشير إلى الفترة الزمنية التي ستقع تغطيتها، كما يشير المشروع إلى آليات عمل هذه الهيئة وصلاحياتها ووجوب تقديم تقرير نهائي يدلي بكل تفاصيل أعمالها».
لكن وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو قال إنّ لدى وزارته «إرادة صادقة في ترجمة القناعة بالمسار التشاركي للعدالة الانتقالية إلى واقع ملموس من خلال الاستماع إلى ممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية لتقديم تصوراتهم حرصا على أن يكون المسار محل توافق وإجماع وطني ولا يكون محل تجاذب أو اختلاف لأن الغاية هي تحقيق المصالحة، بعد المحاسبة».
تحركات نحو الجهات
وفي هذا الاتجاه عقدت اللجنة الفنية للإشراف على الحوار الوطني حول العدالة الانتقالية أمس الأول ندوة صحفية عرضت خلالها تقدّم أعمالها على مستوى تشكيل اللجان الجهوية للحوار واختيار تركيبتها وتكوين أعضائها.
وقال منسق اللجنة محسن السحباني إنّه تمّ تشكيل 6 لجان جهوية حسب تقسيم الأقاليم بالتراب الوطني، بعد عقد 15 اجتماعا توصلت اللجنة خلالها إلى تحديد معايير اختيار الفرق الجهوية التي شملت خصوصا المستوى التعليمي المناسب ومكان الإقامة والانخراط في الشأن العام وعدم تحمّل مسؤولية حزبية.
وقد ورد على اللجنة 418 مطلب ترشح تم قبول 99 منها وسيتم تكوين أصحابها من 28 جوان الجاري إلى 12 جويلية القادم بعد توزيعهم على 3 فرق. وستشمل محاور التكوين المفاهيم المتعلقة بالعدالة الانتقالية وعملية التواصل وإعداد التقارير، وستتولى تنظيم الدورات التكوينية لجنة الدعم اللوجستي والفني المتكونة من المفوضية السامية لحقوق الإنسان وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي بالتعاون مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
من جانبه قال عضو اللجنة الفنية للإشراف على الحوار الوطني وحيد الفرشيشي إن تشريك الجهات في هذا الحوار إن تشريك الجهات في هذا الحوار يكرس البعد التشاركي الذي تطمح إليه كل القوى الحية بالبلاد خلال هذه الفترة الانتقالية، معتبرا أن مبادرة العديد من الاحزاب والجمعيات في إعداد مشاريع لقانون العدالة الانتقالية لا تتعارض مع عمل اللجنة. وأضاف الفرشيشي أن الهدف من هذا التمشي التشاركي هو الوصول إلى تصوّر للعدالة الانتقالية يحوز على أكبر قدر ممكن من التوافق ويكون قاعدة لصياغة مشروع قانون للعدالة الانتقالية تعرضه اللجنة على الحكومة التي ستقدمها بدورها إلى المجلس التأسيسي.
وسينطلق الحوار على مستوى الجهات في جويلية المقبل على ان يستغرق عمل اللجان مدة لا تتجاوز الخمسة أشهر، مما يعني ان المسار لا يزال طويلا.