تراجع المقدرة الشرائية معضلة كبيرة يشتكي منها العديد من المواطنين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية فماهي الأسباب الحقيقية التي أدّت الى ضعف القدرة الشرائية؟ تكشف الأستاذة شريفة قصّار وهي باحثة في مجال التسويق الاجتماعي والسياسي على أن أسباب تراجع او ضعف المقدرة الشرائية تختلف من طبقة اجتماعية الى أخرى وحسب القطاعات (عمال، موظفين...).
تقول: «نلاحظ ان التونسي اليوم أصبح يحبّذ العمل على قدر ما يستهلكه ولا يبحث عن فرص ووسائل شغل أخرى توفّر له القيمة المضافة وتمكنه من تحسين مداخيله ووضعيته.
إضافة الى هذا العزوف عن العمل في قطاعات أخرى توجد فئة أخرى تسعى الى التكسب وتوفير المال بطرق ملتوية مثل الاحتكار والمضاربة والتسوّل وتسعى الى تحقيق الربح السريع وحرق المراحل وهذا ما يفسّر عزوفها عن العمل بقطاعات الخدمات رغم انها تتوفر على قيمة مضافة تساعد على تحسين القدرة الشرائية.
أما الطبقة المتوسطة وهي أغلبها تتكون من الموظفين التي أثقلت كاهلها بالقروض الاستهلاكية لتلبية حاجياتها ولاقتناء بعض الكماليات التي أصبحت ضروريات مثل وسائل الاتصال الحديثة والمكيفات الهوائية وغيرها وبمجرد حلول فترة تسديد القرض مع ارتفاع نسبة الفائدة يجد الموظف نفسه في مأزق ويعجز في بعض الأحيان عن توفير مصاريف الحياة اليومية خاصة في ظل كثرة نفقاته وهو مطالب بتوفيرها مثل اجرة الكراء ومصاريف العودة المدرسية وغيرها.
وتضيف: «القروض الاستهلاكية تعتبر سبب البلية ومصدر شقاء المواطن لأنها تضعف مقدرته الشرائية دون ان نتغافل عن عدة عوامل أخرى تضافرت لتعمل على الاضرار بالقدرة الشرائية منها حبّ التميّز او «البريستيج» والتعلق بالمظاهر والإذعان لنزوات الحياة التي جعلت المواطن يصرف بلا هوادة. كما لا ننسى أيضا دور عمليات الاشهار التي تفرض على المستهلك حصارا متينا وجعلته يغيّر من سلوكه الاستهلاكي.
ومن أسباب تدهور المقدرة الشرائية نجد تراجع قيمة الدينار التونسي مقارنة بالعملات الاوروبية والأمريكية وضعف الثروات الباطنية وعدم الاعتماد على التصنيع وارتفاع أسعار بعض المنتوجات وتكاليف الحياة العصرية».
المصاريف أكثر من المداخيل
ويكشف الخبراء في المجال الاقتصادي عن وجود إخلال كبير وفارق واضح بين المصاريف والمداخيل فالتونسي مكبل بالأداءات وفواتير الاستهلاك وتثقل كاهله كثرة نفقات مناسبات الأعياد والأفراح والنجاح في الوقت الذي يكون فيه الراتب محدود.
كما ان تغيّر نمط المعيشة أفرز طرق استهلاك عشوائي وفوضوي في بعض الأحيان دون تخطيط مسبق مما ينتج عنه اختلال في الميزانية يدفع بصاحبه الى الاقتراض. وحسب برنامج الحكومة لسنة 2012 فإن حماية القدرة الشرائية للمواطن والسيطرة على غلاء الأسعار ستتم خاصة من خلال منع الاحتكار وتشديد الرقابة الاقتصادية بالتوازي مع الدور التعديلي للدولة.