ينطلقُ اليوم المؤتمر التاسع لحركة النهضة وهو المؤتمر الذي يأتي في سياق تاريخي وطني وإقليمي يُحمّلهُ الكثير من الانتظارات المحليّة والإقليميّة والدوليّة أيضا. على عكس المؤتمرات السابقة والتي جرت في أجواء السرية والمحاصرة أو بالمهجر يأتي المؤتمر العلني الأول للنهضة ليتجاوز بانتظاراته المعطى الحزبي الضيق وتدارس الملفات التنظيمية والهيكلية وشؤون المناضلين - على أهميتها- ليكون حدثا بارزا من خلاله ستتوضح لا فقط، قدرة النهضويين على لملمة صفوفهم وتطبيب جراح الماضي وتطييب خواطر الآلاف من المساجين والمنفيين، بل مدى قدرتهم على تأكيد جدارتهم في تحمل أعباء مسؤولية تاريخية تجاه بلدهم ووطنهم حماية له من كل مخاطر التوتر والانقسام وتثبيتا داخلهُ لقيم التعايش والانسجام وصيانة أهداف ناضلت من اجلها أجيال من النخب والمثقفين والأحزاب من مختلف المشارب والتيارات وقُدّمت في سبيلها تضحيات جسام من اعدامات ومناف ومحاكمات سياسية وتكميم للأفواه والحريات، هذا إلى جانب مراكمة المكتسبات الاجتماعية والحضارية في التربية والثقافة والمرأة وشؤون الأسرة والإدارة والخدمات العامّة التي أسست لها حركة التحرير الوطني والأجيال التي تعاقبت على بناء مرتكزات الدولة التونسية الحديثة والمستقلة التي نستظلّ اليوم تحت ظلالها. إنّ المآلات السياسية والانتخابية التي أعقبت ثورة 14 جانفي 2011 تجعلُ من مؤتمر حركة النهضة حدثا وطنيا بامتياز تترقّبُ كل الأوساط حصادهُ من حيث المضامين السياسية والخيارات الإستراتيجية لحزب يقودُ الائتلاف الحاكم وكذلك من حيث تصعيد القيادات القادرة على تجسيد ما أكدته المرجعية الفكرية للحركة من انتصار لقيم الاعتدال والوسطية والتسامح ورفض التطرف والدفاع عن مدنية الدولة وهيبة مؤسساتها وقدسية رمزياتها وإيمان قطعي ونهائي بمبادئ الممارسة السياسية التعددية والديمقراطية بما فيها من تغييب لنزعات الهيمنة وتداخل الحزب والدولة وقناعة راسخة بالحريات العامة وحقوق الإنسان والتداول السلمي على السلطة. إنّ مؤتمر النهضة – بهذا المعنى- سيكُون محطّ أنظار مختلف الفرقاء السياسيين، وخصوم النهضة أيضاً، الذين ينتظرون منه ، أي من المؤتمر، أن يُصدر رسائل تطمين قادرة على ترشيح أرضية جديدة تدعمُ الوحدة الوطنيّة والتوافق والذهاب المشترك إلى المستقبل الأفضل. هذا دون أن ننسى، ما حمّلهُ ما بات يُعرف بربيع الثورات العربيّة لحركة النهضة من مسؤوليّة إضافيّة في تثبيت قدرات الإسلام السياسي على النجاح في بيئة عربيّة عرفت أشدّ أنواع الدكتاتوريّات والقمع والتمايز الطبقي والمجتمعي وغلبة الفساد والرشوة وانعدام الحكم الرشيد وهدر الطاقات العربيّة لأزيد من 50 سنة ، هذه الانتظارات تنشُدُها باقي الشعوب العربيّة التائقة هي أيضا إلى الحريّة والتعايش بين مبادئ الهويّة الراسخة وروح العصر والحداثة ، كما تترقّبها الأوساط الإقليميّة والدوليّة – ذات البعد الإنساني والحضاري- التي سبق لها أن باركت التحوّلات في المنطقة العربيّة وأمّلت فيها استقرار المنطقة وخير شعوبها ونمائها وانسجام الممارسة السياسيّة للإسلاميين على وجه الخصوص مع الديمقراطيّة والحريات وحقوق الإنسان.