مثل الحسم في النظام السياسي لتونس أحد أبرز المحاور التي دار حولها جدل كبير هذا الأسبوع في المجلس التأسيسي، فكيف سيُحسم هذا الجدل؟ هل يكون التصويت هو الفيصل أم ينجح الفرقاء في التوافق ويُحسم الأمر سياسيا؟ وقد احتدّ الجدل خصوصا بعد أن صوّتت لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقات بينهما الأسبوع الماضي على الفصل 45 الذي يحدّد من ينتخب الرئيس (هل من طرف مجلس الشعب أم الشعب مباشرة) في غياب لافت لعدد من أعضاء اللجنة وفي حضور كامل أعضائها عن حركة النهضة (9) بشكل أوحى بأن الاتجاه العام داخل اللجنة هو مع النظام البرلماني، وهو ما اعتبره كثيرون مغالطة، خاصة انّ 6 أشهر من النقاشات في صلب اللجنة بلورت التوجه العام لها وأفضت إلى وجود رأيين الأول يؤيد إقامة نظام برلماني وبالتالي فإن البرلمان هو الذي ينتخب الرئيس، وهذا الرأي يمثله نواب كتلة النهضة في هذه اللجنة (9)، والرأي الثاني وهو الغالب ينص على أن يكون النظام مختلطا ويذهب الأعضاء ال 13 المتبقون في اللجنة مع هذا الرأي.
وقد قلّل رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر من شأن هذا الجدل داخل اللجنة بما أنّه لا يعكس حقيقة التوجه العام للطبقة السياسية وبما أن الأمر سيُعرض في النهاية على الجلسة العامة للتصويت.
ويُذكر أن التصويت على الدستور الجديد في الجلسات العامة سيكون فصلا فصلا (بالأغلبية المطلقة) وعلى الدستور برمته (بأغلبية الثلثين) وفي كلتا الحالتين ستكون كتلة «النهضة» في حاجة إلى عدد كبير من الأصوات المؤيدة لرؤيتها من أجل تمرير المشروع الذي ينص على أن يكون نظام الحكم برلمانيا وأن يتولى البرلمان انتخاب رئيس الجمهورية.
ويُذكّر هذا الجدل الحاصل حول نظام الحكم بالجدل حول مصادر التشريع في الدستور الجديد حيث كثر الحديث عن اعتماد الشريعة كمصدر أساسي أو كمصدر وحيد او كمصدر من مصادر التشريع واحتدّ الجدل قبل أن تحسم حركة النهضة الموقف وتعلن تمسكها بالفصل الأول من دستور 1959 وذلك بعد اجتماع لهيئتها التأسيسية وحسم الأمر بالتصويت، وبالتالي انتهى الجدل بقرار سياسي من الحزب الأغلبي، فهل يكون الحسم هذه المرة سياسيا؟
ويذهب متابعون للشأن السياسي إلى أنّ الحسم لن يكون إلا بالتوافق خاصة أنّ هناك إشارات من رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر الذي تحدّث عن ضرورة تعزيز روح التوافق في كل ما يتعلق بكتابة الدستور الجديد وخصوصا المسائل الخلافية وأبرزها قضية النظام السياسي.
وقالت النائبة عن حزب المؤتمر سامية عبو إنه من الصعب أن يُحسم الأمر سياسيا كما حصل مع مسألة الفصل الأول من الدستور لأن الأمر يختلف وشكل النظام يُعتبر عمود الدستور الجديد الذي لا بدّ من حصول اكبر قدر من التوافق حوله.
واعتبرت عبو أن ما حصل من تصويت على الفصل 45 غير قانوني ولن يكون ملزما لأنه لا يعكس التوجه العام داخل اللجنة وفيه مغالطة للرأي العام وإنّ الجلسة العامة هي التي ستحسم الأمر.
وفي المقابل يتمسك نواب حركة النهضة بما تم التوصل إليه في اللجنة ويطالبون برفع التقرير النهائي للجنة إلى الجلسة العامة متضمنا المشاريع المقترحة مع التنصيص على أن المشروع الذي تم التصويت عليه قد نال 9 أصوات مؤيدة مقابل 5 ضد.
وفي مطلق الأحوال سيتم اختيار شكل النظام السياسي الجديد بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التأسيسي لأنه حتى في صورة حصول أحد المشاريع على الأغلبية المطلقة في التصويت فصلا فصلا فإن الإشكال سيُطرح مجدّدا لدى التصويت على النص الكامل للدستور الذي يتطلب أغلبية الثلثين.
وفي حال عدم حصول مشروع الدستور على أغلبية الثلثين يتم اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، لكن عدة نواب حذّروا من أن حركة النهضة قد تنجح في فرض النظام البرلماني عبر هذه الآلية (أي الاستفتاء) خاصة أن أنصارها بدؤوا حملة على المواقع الاجتماعية تروّج للنظام البرلماني ومزاياه وتصوّره على أنُه النظام الأنسب والضامن لعدم عودة الدكتاتورية.